قوله تعالى :﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان هذا الختم مؤذناً بالعذاب وكان إتيان العذاب من محل تتوقع منه الرحمة أفظع وكان أنفع الأشياء السحاب لحمله الغيث والملائكة الذين هم خير محض وكان الذين شاهدوا العذاب من السحاب الذي هو مظنة الرحمة ليكون أهول عاداً وبني إسرائيل وكان عاد قد مضوا فلا يمكن عادة سؤالهم وكان من زل بعد هذا البيان قد أشبه بني إسرائيل في هذا الحال فكان جديراً بأن يشبههم في المآل فيما صاروا إليه من ضرب الذلة والمسكنة وحلول الغضب والوقوع في العطب قال تعالى :﴿هل ينظرون﴾ أي ينتظرون إذا زلوا. سائقاً له في أسلوب الإنكار، وصيغة الغيبة مجردة عن الافتعال تنبيهاً على أن الزالين في غاية البعد عن مواطن الرأفة والاستحقاق بمظهر الكبر والنقمة بإعراض السيد عن خطابهم وإقباله من عذابهم على ما لم يكن في حسابهم ﴿إلا أن يأتيهم الله﴾ أي مجد الذي لا يحتمل شيء تجلى عظمته وظهور جلاله، كائناً مجده ﴿في ظلل من الغمام﴾ ظلة في داخل ظلة، وهي ما يستر من الشمس فهي في غاية الإظلام والهول والمهابة لما لها من الكثافة التي تغم على الرائي ما فيها وتدمر ما أتت عليه - إلى غير ذلك من أنواع المجد الذي لا يقدره حق قدره إلا الله ﴿والملائكة﴾ أي ويأتي جنده الذين لا يعصون الله ما أمرهم، هذا على قراءة الجماعة، وعلى قراءة أبي جعفر بالخفض، المعنى وظلل من الملائكة أي جماعات يملؤون الأقطار ليتبادروا إلى امتثال أوامره ؛ وهل ينتظرون من القوي المحكم لما يفعل العزيز الذي يعلو أمره كل أمر إلا إتيانه بالبأس إذا غضب بعد طول الحلم وتمادي الأناة فلا يرد بأسه ولا يعارض أمره وهو المراد من قوله :﴿وقضي﴾ أي والحال أنه قد قضي ﴿الأمر﴾ أي نفذ بإهلاكهم سريعاً فرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى بأسرهم لا يملكون لأنفسهم شيئاً ﴿وإلى الله﴾ الذي له الإحاطة الكاملة وحده ﴿ترجع الأمور﴾ كلها دنيا وأخرى، فإن حكمه لا يرد وقدرته لا تحد. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٣٨٨﴾