قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان قولهم : إنا لو ثبتنا في المدينة الممثلة بالدرع الحصينة - كما " كان رأي رسول الله ﷺ والأكابر من أصحابه " لسلمنا، إلى غير ذلك مما أشار سبحانه وتعالى إليه قولاً موجباً لغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لما فيه من الاتهام وسوء العقيدة، وكان مع ذلك مظنة لأن يخدع كثيراً من أهل الطاعة لشدة حبهم لمن قتل منهم وتعاظم أسفهم عليهم.
كان أنسب الأشياء المبادرة إلى الوعظ بما يزيل هذا الأثر، ولما كان الرسول ﷺ مؤيداً بأعظم الثبات لما طبع عليه من الشيم الطاهرة والمحاسن الظاهرة كان الأنسب البداءة بغيره، فنهى الذين آمنوا عن الانخداع بأقوالهم فقال تعالى :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي أظهروا الإقرار بالإيمان! صدقوا قولكم بأن ﴿لا تكونوا كالذين كفروا﴾ أي بقلوبهم على وجه الستر ﴿وقالوا﴾ أي ما فضحهم ﴿لإخوانهم﴾ أي لأجل إخوانهم الأعزة عليهم نسباً أو مذهباً ﴿إذا ضربوا﴾ أي سافروا مطلق سفر ﴿في الأرض﴾ أي لمتجر أو غيره ﴿أو كانوا غزّى﴾ أي غزاة مبالغين في الغزو في سبيل الله بسفر أو غيره جمع غازٍ، فماتوا أو قتلوا ﴿لو كانوا عندنا﴾ أي لم يفارقونا ﴿ما ماتوا وما قتلوا﴾ وهذا في غاية التهكم بهم، لأن إطلاق هذا القول منهم - لا سيما على هذا التأكيد - يلزم منه ادعاء أنه لا يموت أحد في المدينة، وهو لا يقوله عاقل