قوله تعالى ﴿ لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان التذكر - عند الآيات لا يكون إلاّ من أهل العنايات في طرق الهدايات، قال مرغباً في التذكر فإنه سبب الفيض الإلهي على القلوب المهيأة له :﴿لهم﴾ أي المتذكرين ﴿دار السلام﴾ أي الجنة، أضافها سبحانه إليه زيادة في الترغيب فيها، وخص هذا الاسم الشريف لأنه لا يلم بها شيء من عطب ولا خوف ولا نصب ؛ ثم زاد الترغيب فيها بقوله :﴿عند ربهم﴾ أي في ضمان المحسن إليهم وحضرته بما هيأهم له ويسره لهم ﴿وهو﴾ أي وحده ﴿وليهم﴾ أي المتكفل بتولي أمورهم، لا يكلهم إلى أحد سواه، وهذا يدل على قربه منهم، والعندية تدل على قربهم منه لما شرح من صدورهم بالتوحيد ؛ ولما كان ذلك ربما قصر على التذكر، بين أن المراد منه التأدية إلى الأعمال فإنها معيار الصدق وميزانه فقال :﴿بما﴾ أي بسبب ما ﴿كانوا﴾ أي كما جبلهم عليه، فما كان ذلك إلاّ بفضله ﴿يعملون ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧١٣ ـ ٧١٤﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بين عظيم نعمه في الصراط المستقيم وبين أنه تعالى معد مهيىء لمن يكون من المذكورين بين الفائدة الشريفة التي تحصل من التمسك بذلك الصراط المستقيم، فقال :﴿لَهُمْ دَارُ السلام عِندَ رَبّهِمْ﴾ وفي هذه الآية تشريفات.
النوع الأول : قوله :﴿لَهُمْ دَارُ السلام﴾ وهذا يوجب الحصر، فمعناه : لهم دار السلام لا لغيرهم، وفي قوله :﴿دَارُ السلام﴾ قولان :
القول الأول : أن السلام من أسماء الله تعالى، فدار السلام هي الدار المضافة إلى الله تعالى، كما قيل للكعبة بيت الله تعالى وللخليفة عبد الله.
والقول الثاني : أن السلام صفة الدار، ثم فيه وجهان : الأول : المعنى دار السلامة، والعرب تلحق هذه الهاء في كثير من المصادر وتحذفها يقولون ضلال وضلالة، وسفاه وسفاهة، ولذاذ ولذاذة، ورضاع ورضاعة.
الثاني : أن السلام جمع السلامة، وإنما سميت الجنة بهذا الاسم لأن أنواع السلامة حاصلة فيها بأسرها.
إذا عرفت هذين القولين : فالقائلون بالقول الأول قالوا به لأنه أولى، لأن إضافة الدار إلى الله تعالى نهاية في تشريفها وتعظيمها وإكبار قدرها، فكان ذكر هذه الإضافة مبالغة في تعظيم الأمر والقائلون بالقول الثاني رجحوا قولهم من وجهين : الأول : أن وصف الدار بكونها دار السلامة أدخل في الترغيب من إضافة الدار إلى الله تعالى، والثاني : أن وصف الله تعالى بأنه السلام في الأصل مجاز، وإنما وصف بذلك لأنه تعالى ذو السلام، فإذا أمكن حمل الكلام على حقيقته كان أولى.
النوع الثاني : من الفوائد المذكورة في هذه الآية قوله :﴿عِندَ رَبّهِمْ﴾ وفي تفسيره وجوه :
الوجه الأول : المراد أنه معد عنده تعالى كما تكون الحقوق معدة مهيأة حاضرة، ونظيره قوله تعالى :﴿جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ﴾ [ البينة : ٨ ] وذلك نهاية في بيان وصولهم إليها، وكونهم على ثقة من ذلك.


الصفحة التالية