الوجه الثاني : وهو الأقرب إلى التحقيق أن قوله :﴿عِندَ رَبّهِمْ﴾ يشعر بأن ذلك الأمر المدخر موصوف بالقرب من الله تعالى، وهذا القرب لا يكون بالمكان والجهة، فوجب كونه بالشرف والعلو والرتبة، وذلك يدل على أن ذلك الشيء بلغ في الكمال والرفعة إلى حيث لا يعرف كنهه إلا الله تعالى، ونظيره قوله تعالى :﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [ السجدة : ١٧ ].
الوجه الثالث : أنه قال في صفة الملائكة :﴿وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [ الأنبياء : ١٩ ] وقال في صفة المؤمنين في الدنيا أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي وقال أيضاً أنا عند ظن عبدي بي وقال في صفتهم يوم القيامة :﴿فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ﴾ [ القمر : ٥٥ ] وقال في دارهم :﴿لَهُمْ دَارُ السلام عِندَ رَبّهِمْ﴾ وقال في ثوابهم :﴿جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ﴾ [ البينة : ٨ ] وذلك يدل على أن حصول كمال صفة العبودية بواسطة صفة العندية.


الصفحة التالية
Icon