قوله تعالى ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٥) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (٧٦) فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (٧٧) قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا (٧٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كانت هذه ثانية ﴿قال﴾ الخضر عليه السلام :﴿ألم أقل﴾ وزاد قوله :﴿لك إنك﴾ يا موسى ﴿لن تستطيع معي﴾ أي خاصة ﴿صبراً قال﴾ موسى عليه السلام حياء منه لما أفاق بتذكر مما حصل من فرط الوجد لأمر الله فذكر أنه ما تبعه إلا بأمر الله :﴿إن سألتك عن شيء بعدها﴾ يا أخي! وأعلم بشدة ندمه على الإنكار بقوله :﴿فلا تصاحبني﴾ بل فارقني ؛ ثم علل ذلك بقوله ﴿قد بلغت﴾ وأشار إلى أن ما وقع منه من الإخلال بالشرط من أعظم الخوارق التي اضطر إليها فقال :﴿من لدني عذراً﴾ باعتراضي مرتين واحتمالك لي فيهما.
وقد أخبرني الله بحسن حالك في غزارة علمك ﴿فانطلقا﴾ بعد قتله ﴿حتى إذا أتيا أهل قرية﴾ عبر عنها هنا بالقرية دون المدينة لأنه أدل على الذم، لأن مادة قرا تدور على الجمع الذي يلزمه الإمساك كما تقدم في آخر سورة يوسف عليه السلام ؛ ثم وصفها ليبين أن لها مدخلاً في لؤم أهلها بقوله تعالى :﴿استطعما﴾ وأظهر ولم يضمر في قوله :﴿أهلها﴾ لأن الاستطعام لبعض من أتوه، أوكل من الإتيان والاستطعام لبعض ولكنه غير متحد، وهذا هو الظاهر، لأنه هو الموافق للعادة.
قال الإمام أبو الحسن الحرالي في كتابه مفتاح الباب المقفل لفهم القرآن المنزل : ولتكرار الأسماء بالإظهار والإضمار بيان سنين الأفهام في القرآن : اعلم أن لوقوع الإظهار والإضمار في بيان القرآن وجهين : أحدهما يتقدم فيه الإظهار وهو خطاب المؤمنين بآيات الآفاق وعلى نحوه هو خطاب الخلق بعضهم لبعض لا يضمرون إلا بعد أن يظهروا، والثاني يتقدم فيه الإضمار وهو خطاب الموقنين بآية الأنفس، ولم يصل إليه تخاطب الخلق.


الصفحة التالية
Icon