فإذا كان البيان عن إحاطة، تقدم الإضمار ﴿قل هو الله أحد﴾ وإذا كان عن اختصاص، تقدم الإظهار ﴿الله الصمد﴾ وإذا رد عليه بيان على حدة أضمر ﴿لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد﴾ أي هذا الذي عم بأحديته وخص بصمديته، وإذا أحاط البيان بعد اختصاص استؤنف له إحاطة باستئناف إظهار محيط أو بإضمار، أو بجمع المضمر والمظهر ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم﴾ [ الحجرات : ١ ] ﴿إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدىء ويعيد﴾ [ البروج : ١٢ ] ﴿هو الله لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة﴾ [ الحشر : ٢٢ ] والتفطن لما اختص به بيان القرآن عن بيان الإنسان من هذا النحو من مفاتيح أبواب الفهم، ومن نحوه ﴿أتيا أهل قرية استطعما أهلها﴾ استأنف للمستطعمين إظهاراً غير إظهار المأتيين - انتهى.
وجعل السبكي الإتيان للبعض، والاستطعام للكل، لأنه أشد ذماً لأهل القرية وأدل على شر طبعها، ومن قال بالأول مؤيد بقول الشافعي في كتاب الرسالة في باب ما نزل من الكتاب عاماً يراد به العام ويدخلها الخصوص وهو بعد البيان الخامس في قول الله عز وجل ﴿حتى إذا أتيا قرية استطعما أهلها﴾ : وفي هذه الآية أدل دلالة على أنه لم يستطعما كل أهل القرية وفيها خصوص - انتهى، وبيان ذلك أن نكرة إذا أعيدت كانت الثانية غير الأولى، وإذا أعيدت معرفة كانت عيناً في الأغلب.
ولما أسند الإتيان إلى أهل القرية كان ظاهره تناول الجميع، فلو قيل : استطعماهم لكان المراد بالضمير عين المأتيين، فلما عدل عنه - مع أنه أخصر - إلى الظاهر ولا سيما إن جعلناه نكرة كان غير الأولى وإلا لم يكن للعدول فائدة، وقد كان الظاهر أن الأول للجميع فكان الثاني للبعض، وإلا لم يكن غيره ولا كان للعدول فائدة.