قوله تعالى ﴿ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (٣٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تم الجواب عن كفرهم بالموحي وما أوحاه إليه وما اشتد تعلقه به، عطف على ذلك تأسية بالموحى إليه ـ ﷺ ـ، لأن الحاث على تميز الإجابة إلى الآيات المقترحات استهزاء الكفار، فقال :﴿ولقد استهزىء﴾ أي من أدنى الخلق وغيرهم ﴿برسل ﴾.
ولما كان الإرسال لم يعم جميع الأزمان فضلاً عن الاستهزاء، أدخل الجار فقال :﴿من قبلك﴾ لعدم إتيانهم بالمقترحات ؛ والاستهزاء : طلب الهزوء، وهو الإظهار خلاف الإضمار للاستصغار ﴿فأمليت﴾ أي فتسبب عن استهزائهم ذلك أني أمليت ﴿للذين كفروا﴾ أي أمهلتهم في خفض وسعة كالبهيمة يملى لها، أي يمد في المرعى، ولم أجعل ذلك سبباً لإجابتهم إلى ما اقترحوا ولا معاجلتهم بالعذاب فعل الضيق الفطن ﴿ثم﴾ بعد طول الإملاء ﴿أخذتهم﴾ أي أخذ قهر وانتقام ﴿فكيف﴾ أي فكان أخذي لهم سبباً لأن يسأل من كان يستبطىء رسلنا أو يظن بنا تهاوناً بهم، فيقال له : كيف ﴿كان عقاب﴾ فهو استفهام معناه التعجب مما حل بالمكذبين والتقرير، وفي ضمنه وعيد شديد.
فلما تقرر - بما مضى من قدرته تعالى على الثواب والعقاب وخفضه الأرضين ورفعه السماوات ونصبه الدلالات بباهر الآيات البينات - أن ليس لأحد غيره أمر ما، وتحرر أن كل أحد في قبضته، تسبب عن ذلك أن يقال :﴿أفمن هو قائم﴾ ولما كان القيام دالاً على الاستعلاء أوضحه بقوله :﴿على كل نفس﴾ أي صالحة وغيرها ﴿بما كسبت﴾ - يفعل بها ما يشاء من الإملاء والأخذ وغيرهما - كمن ليس كذلك، مثل شركائهم التي ليس لها قيام على شيء أصلاً.


الصفحة التالية
Icon