قوله تعالى ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (١٢٧)﴾
مناسبة الآيتين لما قبلهما
قال البقاعى :
ولما كان التقدير : وليس الإمداد بهم موجود للنصر، وكان قد قدم في أول السورة قوله :﴿والله يؤيد بنصره من يشاء﴾ [ آل عمران : ١٣ ] قال هنا قاصراً للأمر عليه :﴿وما جعله الله﴾ أي الإمداد المذكور وذكره لكم على ما له من الإحاطة بصفات الكمال التي لا يحتاج مراقبها إلى شيء أصلاً ﴿إلا بشرى ﴾.
وما كانت الهزيمة عليهم في هذه الكرة، وكان المقتول منهم أكثر قال :﴿لكم﴾ لئلا يتوهم أن ذلك بشرى لضدهم، ولمثل هذا قدم القلوب فقال :﴿ولتطمئن﴾ وعلم أن التقدير - لتكون الآية من الاحتباك : لتستبشر نفوسكم به وطمأنينة لكم لتطمئن ﴿قلوبكم به﴾ أي الإمداد، فحكم هنا بأنه بشرى مقيداً بلكم، فكانت العناية بضمير أشد حتى كأنه قيل : إلا وبشرى لكم وطمأنينتكم، فوجب تأخير ضميره عنهم، والمعنى أنهم كانوا أولاً خائفين، فلما وردت البشرى اطمأنوا بها رجاء أن يفعل بهم مثل ما فعل في بدر، فلما اطمأنوا بها وقع النصر كما وقع به الوعد ثم لما اطمأنت قلوبهم إلى شيء ألزّ قوتها لأنه قد سبق لها نصر وسرور بضرب وطعن في بدر وغيرها فلمحت نحو شيء من ذلك ؛ حصلت الهزيمة ليصيروا إلى حق اليقين بأنه لا حول لهم ولا قوة، ولذلك قال تعالى :﴿وما النصر﴾ أي في ذلك غيره ﴿إلا من عند الله﴾ أي المستجمع لصفات الكمال، لا بمدد ولا غيره فلا تجدوا في أنفسكم من رجوع من رجع ولا تأخر من تأخر ولا هزيمة من انهزم.