قوله تعالى ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٢٨٦)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما مُنّوا بالإيمان في سؤال الغفران عللوا السؤال بقولهم :﴿لا يكلف الله﴾ أي الملك الأعظم الرحيم الأكرم الذي له جميع صفات الكمال ﴿نفساً إلا وسعها﴾ أي ما تسعه وتطيقه ولا تعجز عنه،
وذلك هو الممكن لذاته الذي يتعلق اختيار العبد بفعله،
ولم يخبر الله تعالى بأنه لا يقع لا المحال لذاته ولا الممكن لذاته سواء كان مما لا مدخل للإنسان في اختياره كالنوم أو كان له مدخل فيه وقد تعلق العلم الأزلي بعدم وقوعه وأخبر سبحانه وتعالى بعدم وقوعه معيناً لصاحبه،
فهذا لا يقع التكليف به ويجوز التكليف به ؛ وهذا الكلام من جملة دعائهم على وجه الثناء طلباً للوفاء بما أخبرهم به الرسول ﷺ عنه سبحانه وتعالى خوفاً من أن يكلفوا بما لله سبحانه وتعالى كما دلت عليه الآية وقول المؤمنين عند نزولها وجواب النبي ﷺ لهم أن يكلف به من المؤاخذة بالوساوس التي لا يقع العزم عليها لأنه مما تخفيه النفوس ولا طاقة على دفعه فهو من باب :
إذا أثنى عليك المرء يوماً...
كفاه من تعرضه الثناء
ولعل العدول عن الخطاب إلى الغيبة بذكر الاسم الأعظم من باب التملق بأن له من صفات العظمة ما يقتضي العفو عن ضعفهم ومن صفات الحلم والرحمة والرأفة ما يرفه عنهم ويحتمل أن يكون ذلك من قول الله سبحانه وتعالى جزاء لهم على قولهم ﴿سمعنا وأطعنا﴾ - الآية،


الصفحة التالية
Icon