قوله تعالى ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أتم سبحانه وعز شأنه البراهين وأحكم الدلائل عقلاً وسمعاً، ولم يبق لمتعنت شبهة، ولم يبادروا الإذعان، بل زادوا في الطغيان، وكادوا أن يوقعوا الضراب والطعان بين أهل الإيمان، أعرض سبحانه وتعالى عن خطابهم إيذاناً بشديد الغضب ورابع الانتقام فقال سبحانه وتعالى مخاطباً لرسوله الذي يكون قتلهم على يده :﴿قل﴾ وأثبت أداة دالة على بعدهم عن الحضرة القدسية فقال :﴿يا أهل الكتاب﴾ أي من الفريقين ﴿لم تكفرون﴾ أي توقعون الكفر ﴿بآيات الله﴾ أي وهي - لكونه الحائز بجميع الكمال - البينات نقلاً وعقلاً الدالة على أنكم على الباطل لما وضح من أنكم على غير ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
ولما كان كفرهم ظاهراً ذكر شهادته تعالى فقال مهدداً ﴿والله﴾ أي والحال أن الله الذي هو محيط بكل شيء قدرة وعلماً فلا إله غيره وقد أشركتم به ﴿شهيد على﴾ كل ﴿ما تعملون﴾ أي لكونه يعلم سبحانه السر وأخفى وإن حرفتم وأسررتم.
ثم استأنف إيذاناً بالاستقلال تقريعاً آخر لزيادتهم على الكفر التكفير فقال :﴿قل يا آهل الكتاب﴾ أي المدعين للعلم واتباع الوحي، كرر هذا الوصف لأنه مع أنه أبعد في التقريع أقرب إلى التطلف في صرفهم عن ضلالهم ﴿لم تصدون﴾ أي بعد كفركم ﴿عن سبيل الله﴾ أي الملك الذي له القهر والعز والعظمة والاختصاص بجميع صفات الكمال، وسبيله دينه الذي جاء به نبيه محمد ﷺ، وقدمه اهتماماً به.


الصفحة التالية
Icon