قوله تعالى ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (٥٣) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما وصف سبحانه ما للمبالغ في المساوئ وأفرده أولاً إشارة إلى قليل في قوم هذا النبي الكرمي الذي تداركهم الله بدعوته تشريفاً له وإعلاء لمقداره، وجمع آخراً ذاكراً من آثار ما استحق به ذلك من مشاركة في أوزاره، ففهم أن وصفه انقضى، ومر ومضى، فتاقت النفس إلى تعرف ما لأضداده الذين خالفوه في مبدئه ومعاده، قال مؤكداً لما لهم من التكذيب :﴿إن المتقين﴾ أي العريقين في هذا الوصف ﴿في مقام﴾ أي موضع إقامة لا يريد الحال فيه تحولاً عنه ﴿أمين﴾ أي يأمن صاحبه فيه من كل ما لا يعجبه.
ولما كان الوصف بعد الوصف شديد الترغيب في الشيء، قال مبدلاً من " مقام " :﴿في جنات﴾ أي بساتين تقصر العقول عن إدراك وصفها كل وصفها ﴿وعيون﴾ كذلك بحيث تقر بها العيون، ولما كان قد أشار إلى وصف ما للباطن من لذة النظر ولباس الأكل والشرب، أتبعه كسوة الظاهر وما لكل من القرب فقال :﴿يلبسون ﴾.
ولما وصف ما أعد لهم من اللبس في الجنة، دل على الكثرة جداً بقوله :﴿من سندس﴾ وهو ما رق من الحرير يعمل وجوهاً، وزاد صنفاً آخر فقال :﴿وإستبرق﴾ وهو ما غلظ منه يعمل بطائن، وسمي بذلك لشدة بريقه.


الصفحة التالية
Icon