قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (٥٦) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (٥٨) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (٥٩) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (٦٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان ما ذكر مما علق بالأرض من المرافق وغيره على غاية من الوضوح، ليس وراءها مطمح، فكان المعنى : أرينا فرعون هذا الذي ذكرنا لكم من آياتنا وغيره، وكان المقام لتعظيم القدرة، عطف عليه قوله :﴿ولقد أريناه﴾ أي بالعصا واليد وغيرهما مما تقدم من مقتضى عظمتنا ﴿آياتنا﴾ أي التي عظمتها من عظمتنا ﴿كلها﴾ بالعين والقلب لأن من قدر على مثل ذلك فهو قادر على غيره من أمثاله من خوارق العادات، لأن الممكنات بالنسبة إلى قدرته على حد سواء، لا سيما والذي ذكر أمهات الآيات كما سيومأ إليه إن شاء الله تعالى في سورة الأنبياء ﴿فكذب﴾ أي بها ﴿وأبى﴾ أي أن يرسل بني إسرائيل ؛ وهذا أبلغ من تعديد ما ذكر في الأعراف، فكأنه قيل : كيف صنع في تكذيبه وإبائه؟ فقيل :﴿قال﴾ حين لم يجد مطعناً مخيلاً للقبط بما يثيرهم حمية لأنفسهم لأنه علم حقية ما جاء به موسى وظهوره، وتقبل العقول له، فخاف أن يتبعه الناس ويتركوه، ووهن في نفسه وهناً عظيماً بتأمل كلماته مفردة ومركبة يعرف مقداره :﴿أجئتنا لتخرجنا من أرضنا﴾ هذه التي نحن مالكوها ﴿بسحرك يا موسى﴾ فخيل إلى أتباعه أن ذلك سحر، فكان ذلك - مع ما ألفوه من عادتهم في الضلال - صارفاً لهم عن اتباع ما رأوا من البيان، ثم وصل بالفاء السببية قوله مؤكداً إيذاناً بعلمه أن ما أتى به موسى ينكر كل من يراه أن يقدر غيره على معارضته :﴿فلنأتينك﴾ أي والإله الأعظم! بوعد لا خلف فيه ﴿بسحر مثله﴾ تأكيداً لما خيل به ؛ ثم أظهر النصفة والعدل إيثاقاً لربط قومه فقال :﴿فاجعل بيننا وبينك موعداً﴾ أي من الزمان والمكان ﴿لا نخلفه﴾ أي لا نجعله خلفنا ﴿نحن ولا أنت﴾ بأن نقعد عن إتيانه.


الصفحة التالية
Icon