قوله تعالى ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ختم سبحانه وتعالى هذه البشارة بالآية القاطعة القويمة الجامعة، وكان قوله : في أول السورة ﴿يصوركم في الأرحام كيف يشاء﴾ وقوله هنا ﴿يخلق ما يشاء﴾ مغنياً عن ذكر حملها، طواه وأرشد السياق حتماً إلى أن التقدير : فصدق الله فيما قال لها، فحملت به من غير ذكر فولدته - على ما قال سبحانه وتعالى - وجيهاً وكلم الناس في المهد وبعده، وعلمه الكتاب والحكمة وأرسله إلى بني إسرائيل، فأتم لهم الدلائل ونفى الشبه على ما أمره به الذي أرسله سبحانه وتعالى وعلموا أنه ناسخ لا مقرر، فتابعه قوم وخالفه آخرون فغطوا جميع الآيات وأعرضوا عن الهدى والبينات، ونصبوا له الأشراك والحبائل وبغوه الدواهي والغوائل، فضلوا على علم وظهر منهم الكفر البين واعوجوا عن الصراط المستقيم عطف عليه قوله مسلياً لهذا النبي الكريم ﷺ :﴿فلما أحس﴾ قال الحرالي : من الإحساس وهو منال الأمر بادراً إلى العلم والشعور الوجداني - انتهى ﴿عيسى منهم الكفر﴾ أي علمه علم من شاهد الشيء بالحس ورأى مكرهم على ذلك يتزايد وعنادهم يتكاثر بعد أن علم كفرهم علماً لا مرية فيه، فاستغاث بالأنصار وعلم أن منجنون الحرب قد دار، فعزم على إلحاقهم دار البوار ﴿قال من أنصاري ﴾.
ولما كان المقصود ثبات الأنصار معه إلى أن يتم أمره عبر عن ذلك بصلة دلت على تضمين هذه الكلمة كلمة توافق الصلة فقال :﴿إلى﴾ أي سائرين أو واصلين معي بنصرهم إلى ﴿الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿قال الحواريون﴾ قال الحرالي : جمع حواري وهو المستخلص نفسه في نصرة من تحق نصرته بما كان من إيثاره على نفسه بصفاء وإخلاص لا كدر فيه ولا شوب - انتهى.