قوله تعالى :﴿أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (٢٦٦)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قدم سبحانه وتعالى أن المن مبطل للصدقة ومثله بالرياء وضرب لهما مثلاً ورغب في الخالص وختم ذلك بما يصلح للترهيب من المن والرياء رجع إليهما دلالة على الاهتمام بهما فضرب لهما مثلاً أوضح من السالف وأشد في التنفير عنهما والبعد منهما فقال ﴿أيود أحدكم﴾
وقال الحرالي : ولما تراجع خبر الإنفاقين ومقابلهما تراجعت أمثالها فضرب لمن ينفق مقابلاً لمن يبتغي مرضاة الله تعالى مثلاً بالجنة المخلفة، انتهى.
فقال - منكراً على من يبطل عمله كأهل مثل الصفوان بعد كشف الحال بضرب هذه الأمثال :﴿أيود أحدكم﴾ أي يحب حباً شديداً ﴿أن تكون له جنة﴾ أي حديقة تستر داخلها وعين هنا ما أبهمه في المثل الأول فقال :﴿من نخيل﴾ جمع نخلة وهي الشجرة القائمة على ساق الحية من أعلاها أشبه الشجر بالآدمي،
ثابت ورقها،
مغذ مؤدم ثمرها،
في كليتها نفعها حتى في خشبها طعام للآدمي بخلاف سائر الشجر،
مثلها كمثل المؤمن الذي ينتفع به كله ﴿وأعناب﴾ جمع عنب وهو شجر متكرم لا يختص ذهابة بجهة العلو اختصاص النخلة بل يتفرع علواً وسفلاً ويمنة ويسرة،
مثله مثل المؤمن المتقي الذي يكرم بتقواه في كل جهة - قاله الحرالي.
ولما كانت الجنان لا تقوم وتدومها إلا بالماء قال :﴿تجري من تحتها الأنهار﴾ أي لكرم أرضها.
وقال الحرالي : وفي إشعاره تكلف ذلك فيها بخلاف الأولى التي هي بعل فإن الجائحة في السقي أشد على المالك منها في البعل لقلة الكلفة في البعل ولشدة الكلف في السقي - انتهى.


الصفحة التالية
Icon