قوله تعالى ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢)﴾
مناسبة الآيتين لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تم تحذيره من اليوم الآخر وما ذكره من إظهار العدل واستقصائه فيه كان سبباً للسؤال عن حال المبكتين في هذه الآيات إذ ذاك، فقال :﴿فكيف﴾ أي يكون حالهم وقد حملوا أمثال الجبال من مساوي الأعمال! ﴿إذا جئنا﴾ على عظمتنا ﴿من كل أمة بشهيد﴾ أي يشهد عليهم ﴿وجئنا بك﴾ وأنت أشرف خلقنا ﴿على هؤلاء﴾ أي الذين أرسلناك إليهم وجعلناك شهيداً عليهم ﴿شهيداً﴾ وفي التفسير من البخاري عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال :" قال لي رسول الله ﷺ " اقرأ عليّ " قلت : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ قال " إني أحب أن أسمعه من غيري " فقرأت عليه سورة النساء حتى بلغت ﴿فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً﴾ قال " أمسك " فإذا عيناه تذرفان " ثم استأنف الجواب عن ذلك بقوله :﴿يومئذ﴾ أي تقوم الإشهاد ﴿يود الذين كفروا﴾ أي ستروا ما تهدي إليه العقول من آياته وبين أنهم مخاطبون بالفروع في قوله :﴿وعصوا الرسول﴾ بعد ستر ما أظهر من بيناته ﴿لو تسوى بهم الأرض﴾ أي تكون مستوية معتدلة بهم، ولا تكون كذلك إلا وقد غيبتهم واستوت بهم، ولم يبق فيها شيء من عوج ولا نتوّ بسبب أحد منهم ولا شيء من أجسامهم ؛ وإنما ودوا ذلك خوفاً مما يستقبلهم من الفضيحة بعتابهم ثم الإهانة بعقابهم.
ولما كان التقدير : فلا تسوى بهم، عطف عليه قوله :﴿ولا يكتمون الله﴾ أي الملك الأعظم ﴿حديثاً﴾ أي شيئاً أحدثوه بل يفتضحون بسيىء أخبارهم، ويحملون جميع أوزارهم، جزاء لما كانوا يكتمون من آياته وما نصب للناس من بيناته. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٥٨ ـ ٢٥٩﴾
وقال الفخر :
وجه النظم هو أنه تعالى بين أن في الآخرة لا يجري على أحد ظلم، وأنه تعالى يجازي المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه، فبين تعالى في هذه الآية أن ذلك يجري بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق، لتكون الحجة على المسىء أبلغ، والتبكيت له أعظم وحسرته أشد، ويكون سرور من قبل ذلك من الرسول وأظهر الطاعة أعظم، ويكون هذا وعيداً للكفار الذين قال الله فيهم :﴿إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ ووعداً للمطيعين الذين قال الله فيهم :﴿وَإِن تَكُ حَسَنَةً يضاعفها﴾ [ النساء : ٤٠ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٨٥﴾


الصفحة التالية
Icon