قوله تعالى ﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كانت جميع صور الآية منطبقة على النفاق، بعضها حقيقة وبعضها مجازاً، قال جواباً لمن كأنه سأل عن جزائهم متهكماً بهم :﴿بشر المنافقين﴾ فأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف ﴿بأن لهم عذاباً أليماً﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٣٦﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن من حمل الآية المتقدمة على المنافقين قال إنه تعالى بيّن أنه لا يغفر لهم كفرهم ولا يهديهم إلى الجنة، ثم قال : وكما لا يوصلهم إلى دار الثواب فإنه مع ذلك يوصلهم إلى أعظم أنواع العقاب، وهو المراد من قوله ﴿بَشّرِ المنافقين بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ وقوله ﴿بُشّرَ﴾ تهكم بهم، والعرب تقول : تحيتك الضرب، وعتابك السيف. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٦٣﴾
وقال ابن عاشور :
﴿بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾
استئناف ابتدائي ناشِىء عن وصف الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً، فإنّ أولئك كانوا مظهرين الكفر بمحمد ﷺ، وكان ثمّة طائفة تبطن الكفر وهم أهل النفاق، ولمّا كان التظاهر بالإيمان ثم تعقيبه بالكفر ضرباً من التهكّم بالإسلام وأهله، جيء في جزاء عملهم بوعيد مناسب لتهكّمهم بالمسلمين، فجاء به على طريقة التهكّم إذ قال :﴿ بشر المنافقين ﴾، فإنّ البشارة هي الخبر بما يَفرحَ المخبَر به، وليس العذاب كذلك، وللعرب في التهكّم أساليب كقول شَقِيق ابن سُليك الأسدي :
أتاني من أبي أنَسسٍ وعيدٌ...
فَسُلىّ لِغَيظَةِ الضّحّاككِ جِسمِي
وقول النابغة :
فإنّك سوف تَحْلُم أو تَناهَى...
إذا ما شِبْت أو شَاب الغراب
وقول ابن زَيَّابة :
نُبِّئْتُ عَمْراً غارزاً رأسَه...
في سِنَةٍ يُوعدِ أخْوَالَهُ
وتلكَ منه غير مأمُونَةٍ...
أنْ يَفعل الشيءَ إذَا قالَهُ


الصفحة التالية
Icon