قوله تعالى ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أمر سبحانه ونهى، بشر وحذر فقال :﴿وعد الله﴾ أي الملك الذي له الكمال المطلق فله كل شيء ﴿الذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان بألسنتهم ﴿وعملوا﴾ تصديقاً لهذا الإقرار ﴿الصالحات﴾ وترك المفعول الثاني أقعد في باب البشارة، فإنه يحتمل كل خير، وتذهب النفس في تحريزه كل مذهب.
ولما كان الموعود شيئين : فضلاً وإسقاط حق قدم الإسقاط تأميناً للخوف فقال واضعاً له موضع الموعود في صيغة دالة على الثبات والاختصاص :﴿لهم مغفرة﴾ أي لما فرط منهم لما طبع الإنسان عليه من النقص نسياناً أو عمداً، بعمل الواجبات إن كان صغيرة، وبالتوبة إن كان كبيرة، وفيه إشارة إلى أنه لا يقدر أحد أن يقدر الله حق قدره ؛ ولما أمنهم بالتجاوز أتبعه الجود بالعطاء فقال ﴿وأجر﴾ أي على قدر درجاتهم من حسن العمل ﴿عظيم﴾ أي لا يدخل تفاوت درجاته تحت الحصر. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤٠٩﴾

فصل


قال الفخر :
المغفرة إسقاط السيئات كما قال ﴿فَأُوْلَئِكَ يُبَدّلُ الله سَيّئَاتِهِمْ حسنات﴾ [ الفرقان : ٧٠ ] والأجر العظيم إيصال الثواب،
وقوله ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ فيه وجوه :
الأول : أنه قال أولاً ﴿وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ فكأنه قيل : وأي شيء وعدهم ؟ فقال ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾
الثاني : التقدير كأنه قال : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقال لهم مغفرة وأجرٌ عظيم،
والثالث : أجرى قوله ﴿وَعْدُ﴾ مجرى قال، والتقدير : قال الله في الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم، والرابع : أن يكون ﴿وَعْدُ﴾ واقعاً على جملة ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ أي وعدهم بهذا المجموع.


الصفحة التالية
Icon