فإن قيل : لم أخبر عن هذا الوعد مع أنه لو أخبر بالموعود به كان ذلك أقوى ؟
قلنا : بل الأخبار عن كون هذا الوعد وعد الله أقوى.
وذلك لأنه أضاف هذا الوعد إلى الله تعالى فقال ﴿وَعَدَ الله﴾ والإله هو الذي يكون قادراً على جميع المقدورات عالماً بجميع المعلومات غنياً عن كل الحاجات، وهذا يمتنع الخلف في وعده، لأن دخول الخلف إنما يكون إما للجهل حيث ينسى وعده، وإما للعجز حيث لا يقدر على الوفاء بوعده، وإما للبخل حيث يمنعه البخل عن الوفاء بالوعد، وإما للحاجة، فإذا كان الإله هو الذي يكون منزّهاً عن كل هذه الوجوه كان دخول الخلف في وعده محالاً، فكان الإخبار عن هذا الوعد أوكد وأقوى من نفس الأخبار عن الموعود به، وأيضاً فلأن هذا الوعد يصل إليه قبل الموت فيفيده السرور عن سكرات الموت فتسهل بسببه تلك الشدائد، وبعد الموت يسهل عليه بسببه البقاء في ظلمة القبر وفي عرصة القيامة عند مشاهدة تلك الأهوال. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ١٤٤ ـ ١٤٥﴾
وقال القرطبى :
ومعنى ﴿ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ أي قال الله في حق المؤمنين :"لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ" أي لا تعرف كنهه أفهام الخلق ؛ كما قال :﴿ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ ﴾ [ السجدة : ١٧ ].
وإذا قال الله تعالى :﴿ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ و﴿ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ و﴿ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ فمن ذا الذي يقدر قدره؟.
ولما كان الوعد من قبيل القول حسن إدخال اللام في قوله :"لَهُمْ مَغْفِرَةٌ" وهو في موضع نصب ؛ لأنه وقع موقع الموعود به، على معنى وعدهم أنّ لهم مغفرة، أو وعدهم مغفرة إلاَّ أن الجملة وقعت موقع المفرد ؛ كما قال الشاعر :
وَجَدْنا الصَّالحين لهم جزاءَ...
وَجِنَّاتٍ وَعَيناً سَلْسَبِيَلا
وموضع الجملة نصب ؛ ولذلك عطف عليها بالنصب.