قوله تعالى ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (٣٠)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تم الوصف بالعلم والقدرة بعد التحذير من سطواته ذكر يوم المصير المحذر منه، المحصى فيه كل كبير وصغير، المعامل فيه كل عامل بما يليق به، الذي يتم فيه انكشاف الأوصاف لكل ذكي وغبي فقال تعالى :﴿يوم﴾ وهو معمول لعامل من معنى " يحذر " ﴿تجد كل نفس﴾ والذي يرشد إلى تعيين تقدير هذا العامل - إذا جعل العامل مقدراً - قوله سبحانه وتعالى ﴿ويحذركم الله نفسه﴾ [ آل عمران : ٢٨ ] سابقاً لها ولا حقاً، ويجوز أن يكون بدلاً من يوم في قوله ﴿ليوم لا ريب فيه﴾ [ آل عمران : ٩ ] وتكون فتحته للبناء لإضافته إلى الجملة - والله سبحانه وتعالى أعلم، والمراد بالنفس - والله سبحانه وتعالى أعلم - المكلفة ﴿ما عملت من خير محضراً﴾ أي لا نقص فيه ولا زيادة، بأمر القاهر القادر على كل شيء ﴿وما عملت من سوء﴾ حاضراً ملازماً، فما عملت من خير تود أنها لا تفارقه ولا ينقص منه شيء [ وما عملت من سوء ﴿تود﴾ أي تحب حباً شديداً ﴿ولو أن بينها وبينه﴾ أي ذلك العمل السوء ﴿أمداً﴾ أي زماناً.
قال الحرالي : وأصله مقدار ما يستوفي جهد الفرس من الجري، فهو مقدار ما يستوفي ظهور ما في التقدير إلى وفاء كيانه ﴿بعيداً﴾ من البعد، وهو منقطع الوصلة في حس أو معنى - انتهى.
فالآية من الاحتباك : ذكر إحضار الخير دلالة على حضور السوء، وود بعد السوء دلالة على ود لزوم الخير.