قوله تعالى ﴿ قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (٥٠) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (٥١) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا (٥٢) وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (٥٣) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (٥٤) وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (٥٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
﴿قل﴾ لهم : لا تكونوا رفاتاً، بل ﴿كونوا﴾ تراباً، بل كونوا أصلب التراب ﴿حجارة﴾ أي هي في غاية اليبس ﴿أو حديداً﴾ زاد على يبس الحجارة شدة اتصال الأجزاء ﴿أو خلقاً﴾ غيرهما ﴿مما يكبر﴾ أي يعظم عظمة كبيرة ﴿في صدوركم﴾ عن قبول الحياة ولو أنه الموت، حتى تعلموا حال الإعادة، كيف يكون حالكم في الإجابة إلى ما يريد؟ فإن الكل أصله التراب، فالذي فضل طينكم - الذي خلقتم منه على سائر الطين بالنمو ثم بالحياة ثم بالنطق وفضل بعض الناطقين على بعض بمواهب لا تحصى - قادر أن ينقل تلك الفضيلة إلى الطين الذي نقله طوراً بعد طور إلى أن جعله حجراً أو حديداً ﴿فسيقولون﴾ تمادياً في الاستهزاء :﴿من يعيدنا﴾ إذا كنا كذلك ﴿قل الذي فطركم﴾ أي ابتدأ خلقكم ﴿أول مرة﴾ ولم تكونوا شيئاً يعيدكم بالقدرة التي ابتدأكم بها، فكما لم تعجز تلك القدرة عن البداءة فهي لا تعجز عن الإعادة ﴿فسينغضون﴾ أي مصوبين بوعد لا خلف فيه مشيرين ﴿إليك رؤوسهم﴾ أي يحركونها من شدة التعجب والاستهزاء كأنهم في شدة جهلهم على غاية البصيرة من العلم بما يقولون ؛ والنغض والإنغاض : تحريك بارتفاع وانخفاض ﴿ويقولون﴾ استهزاء :﴿متى هو﴾ ثم وصل به قوله تعالى :﴿قل﴾ قول مقتصد غير ممتعض بحالهم ولا ضيق بقولهم :﴿عسى أن يكون﴾ أي كوناً لا انفكاك عنه ﴿قريباً﴾ مطرقاً إليه الاحتمال لإمكانه غير جازم، ثم استأنف جازماً بقوله :﴿يوم﴾ أي يكون ذلك يوم ﴿يدعوكم﴾ أي يناديكم المنادي من قبله بالنفخة أو بغيرها كأن يقول : يا أهل القبور! قوموا إلى الجزاء - أو نحو ذلك ﴿فتستجيبون﴾ أي توافقون الداعي فتفعلون ما أراد بدعائه وتطلبون إجابته وتوجدونها، أو استعار الدعاء والاستجابة للبعث والانبعاث تنبيهاً على سرعتهما وتيسر أمرهما، أو أن القصد بهما الإحضار للحساب ﴿بحمده﴾ أي بإحاطته سبحانه بكل شيء قدرة وعلماً من غير تخلف أصلاً، بل لغاية الإذعان كما يرشد إليه صيغة استفعل، وأنتم مع سرعة