قوله تعالى ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٦٤)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما نكصوا عن المباهلة بعد أن أورد عليهم أنواع الحجج فانقطعوا، فلم تبق لهم شبهة وقبلوا الصغار والجزية، فعلم انحلالهم عما كانوا فيه من المحاجة ولم يبق إلا إظهار النتيجة، اقتضى ذلك عظم تشوفه ﷺ إليها لعظم حرصه ﷺ على هداية الخلق، فأمره بأن يذكرها مكرراً إرشادهم بطريق أخف مما مضى بأن يؤنسهم فيما يدعوهم إليه بالمؤاساة، فيدعو دعاء يشمل المحاجين من النصارى وغيرهم ممن له كتاب من اليهود وغيرهم إلى الكلمة التي قامت البراهين على حقيتها ونهضت الدلائل على صدقها، دعاء لا أعدل منه، على وجه يتضمن نفي ما قد يتخيل من إرادة التفضل عليهم والاختصاص بأمر دونهم، وذلك أنه بدأ بمباشرة ما دعاهم إليه ورضى لهم ما رضي لنفسه وما اجتمعت عليه الكتب واتفقت عليه الرسل فقال سبحانه وتعالى :﴿قل﴾ ولما كان قد انتقل من طلب الإفحام خاطبهم تلطفاً بهم بما يحبون فقال :﴿يا أهل الكتاب﴾ إشارة إلى ما عندهم في ذلك من العلم ﴿تعالوا﴾ أي ارفعوا أنفسكم من حضيض الشرك الأصغر والأكبر الذي أنتم به ﴿إلى كلمة﴾ ثم وصفها بقوله :﴿سواء﴾ أي ذات عدل لا شطط فيه بوجه ﴿بيننا وبينكم﴾ ثم فسرها بقوله :﴿ألا نعبد إلا الله﴾ أي لأنه الحائز لصفات الكمال، وأكد ذلك بقوله :﴿ولا نشرك به شيئاً﴾ أي لا نعتقد له شريكاً وإن لم نعبده.