قوله تعالى ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما وصف الكتاب وذكر المنتفع به، تشوفت النفس إلى السؤال عن حال من لا يؤمن به وهم الجاحدون، فقال مشيراً إلى أن حالهم في وقوفهم عن المتابعه بعد العلم بصدقه بعجزهم عنه كحال من ينتظر أن يأتي مضمون وعيده :﴿هل ينظرون﴾ أي ينتظرون، ولكنه لما لم يكن لهم قصد في ذلك بغير ما يفهمه الحال، جرد الفعل ولإفادة أنه بتحقيق إتيانه في غاية القرب حتى كأنه مشاهد لهم ﴿إلا تأويله﴾ أي تصيير ما فيه من وعد ووعيد إلى مقاره وعواقب أمره التي أخبر أنه يصير إليها.
ولما كان كأنه قيل : ما يكون حالهم حينئذ؟ قال : التحسر والإذغان حيث لا ينفع، والتصديق والإيمان حين لا يقبل، وعبر عن ذلك بقوله :﴿يوم يأتي تأويله﴾ أي بلوغ وعيده إلى مبلغه في الدنيا أو في الآخرة ؛ ولما قدم اليوم اهتماماً به، أتبعه العامل فيه فقال :﴿يقول الذين نسوه﴾ أي تركوه ترك المنسي، ويجوز أن يكون عد ذلك نسياناً لأنه ركز في الطباع أن كل ملك لا بد له من عرض جنده ومحاسبتهم، فلما أعرضوا عن ذلك فيما هو من جانب الله عده نسياناً منهم لما ركز في طباعهم.
ولما كان نسيانهم في بعض الزمان السابق، أدخل الجار فقال ﴿من قبل﴾ أي قبل كشف الغطاء محققين للتصديق ﴿قد جاءت﴾ أي فيما سبق من الدنيا ﴿رسل ربنا﴾ أي المحسن إلينا ﴿بالحق﴾ أي المطايق لهذا الواقع الذي نراه مما كانوا يتوعدوننا به، فما صدقوا حتى رأوا فلم يؤمنوا بالغيب ولا أوقعوا الإيمان في دار العمل فلذا لم ينفعهم.


الصفحة التالية
Icon