قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (٦٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أتم ذلك سبحانه وعلم منه أن من أريدت سعادته يؤمن ولا بد، ومن أريدت شقاوته لا يؤمن أصلاً، ومن أقام ما أنزل عليه سعد، ومن كفر بشيء منه شقي، وكان ذلك ربما فتر عن الإبلاغ، قرن بقوله تعالى ﴿يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر﴾ [ المائدة : ٤١ ] قولَه حاثاً على الإبلاغ لإسعاد من أريد للسعادة، وهم الأمة المقتصدة منهم وإن كانوا قليلاً، وكذا إبلاغ جميع من عداهم :﴿يا أيها الرسول﴾ أي الذي موضوع أمره البلاغ ﴿بلغ﴾ أي أوصل إلى من أرسلت إليهم ﴿ما أنزل إليك﴾ أي كله ﴿من ربك﴾ أي المحسن إليك بإنزاله غير مراقب أحداً، ولا خائف شيئاً، لتعلم ما لم تكن تعلم، ويهدي على يدك من أراد الله هدايته، فيكون لك مثل أجره.
ولما كان إبلاغ ما يخالف الأهواء من الشدة على النفوس بمكان لا يعلمه إلا ذوو الهمم العالية والأخلاق الزاكية، كان المقام شديد الاقتضاء لتأكيد الحث على الإبلاغ، فدل على ذلك بالاعتراض بين الحال والعامل فيها، بالتعبير بالفعل الدال على داعية هي الردع بأن قال :﴿وإن لم تفعل﴾ أي وإن لم تبلغ جميع ذلك، أو إن لم تعمل به ﴿فما بلغت رسالته﴾ لأن من المعلوم أن ما تقع على كل جزء مما أنزل، فلو ترك منه حرف واحد صدق نفي البلاغ لما أنزل، ولأن بعضها ليس بأولى بالإبلاغ من بعض، فمن أغفل شيئاً منها فكأنه أغفل الكل، كما أن من لم يؤمن ببعضها لم يؤمن بكلها، لإدلاء كل منها بما يدليه الآخر، فكانت لذلك في حكم شيء واحد، والمعنى : فلنجازينك، ولكنه كنى بالسبب عن المسبب إجلالاً له ﷺ وإفادة لأن المؤاخذة تقع على الكل، لأنه ينتفي بانتفاء الجزء.


الصفحة التالية
Icon