قوله تعالى ﴿وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر امتناعهم ومنعهم من المحاسن التي لا أطيب منها ولا أشرف، أتبعه إقدامهم على قبائح دنية فيها ظلمهم للخلق فقال :﴿وأخذهم الربا﴾ أي وهو قبيح في نفسه مُزرٍ بصاحبه ﴿وقد﴾ أي الحال أنهم قد ﴿نهوا عنه﴾ فضموا إلى مخالفة الطبع السليم الاجتراء على انتهاك حرمة الله العظيم.
ولما ذكر الربا أتبعه ما هو أعم منه فقال :﴿وأكلهم أموال الناس بالباطل﴾ أي سواء كانت رباً أو رشوة أو غيرهما ؛ ولما ذكر بعض ما عذبهم به في الدنيا أتبعه جزاءهم في الآخرة، فقال عاطفاً على قوله " حرمنا " :﴿وأعتدنا للكافرين﴾ أي الذين صار الكفر لهم صفة راسخة فماتوا عليه ؛ ولما علم أن منهم من يؤمن فيدخل الجنة فقال :﴿منهم﴾ ولما كان الجزاء من جنس العمل قال :﴿عذاباً أليماً﴾ أي بسبب ما آلموا الناس بأكل أموالهم وتغطيتهم على حقوقهم من الفضائل والفواضل. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٦٦ ـ ٣٦٧﴾

فصل


قال القرطبى :
﴿ وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الناس بالباطل ﴾ كله تفسير للظلم الذي تعاطوه، وكذلك ما قبله من نقضهم الميثاق وما بعده ؛ وقد مضى في "آل عمران" أن اختلاف العلماء في سبب التحريم على ثلاثة أقوال هذا أحدها.
الثانية قال ابن العربي : لا خلاف في مذهب مالك أن الكفار مخاطبون، وقد بيّن الله في هذه الآيه أنهم قد نهوا عن الربا وأكل الأموال بالباطل ؛ فإن كان ذلك خبرا عما نزل على محمد في القرآن وأنهم دخلوا في الخطاب فبها ونعمت، وإن كان خبراً عما أنزل الله على موسى في التوراة، وأنهم بدّلوا وحرفوا وعصوا وخالفوا فهل يجوز لنا معاملتهم والقوم قد أفسدوا أموالهم في دينهم أم لا؟ فظنت طائفة أنّ معاملتهم لا تجوز ؛ وذلك لما في أموالهم من هذا الفساد.


الصفحة التالية
Icon