قوله تعالى ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٨٨)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أخبر سبحانه وتعالى بأنهم احتووا على المال والجاه بما كتموا من العلم وأظهروا من خلافه المتضمن لمحبة أهل دينهم فيهم وثنائهم عليهم بأنهم على الدين الصحيح وأنهم أهل العلم، فهم أهل الاقتداء بهم ؛ قال سبحانه وتعالى مخبراً عن مآلهم تحذيراً من مثل حالهم على وجه يعم كل امرىء :﴿لا تحسبن﴾ على قراءة الجماعة بالغيب ﴿الذين يفرحون بما آتوا﴾ أي مما يخالف ظاهره باطنه.
وتوصلوا به إلى الأغراض الدنيوية من الأموال والرئاسة وغير ذلك، أي لا يحسبن أنفسهم، وفي قراءة الكوفيين ويعقوب بالخطاب المعنى : لا تحسبنهم أيها الناظر لمكرهم ورواجهم بسببه في الدنيا واصلين إلى خير ﴿ويحبون أن يحمدوا﴾ أي ويجد الثناء بالوصف الجميل عليهم ﴿بما لم يفعلوا﴾ أي بذلك الباطن الذي لم يفعلوه، قال ابن هشام في السيرة : أن يقول الناس : علماء، وليسوا بأهل علم، لم يتحملوهم على هدى ولا حق.
ولما تسبب عن ذلك العلمُ بهلاكهم قال :﴿فلا تحسبنهم﴾ أي تحسبن أنفسهم، على قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالغيب وضم الباء وعلى قراءة الجماعة المعنى : لا تحسبنهم أيها الناظر ﴿بمفازة من العذاب﴾ بل هم بمهلكة منه ﴿ولهم عذاب أليم ﴾. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٩٥﴾
وقال ابن عاشور :
﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا ﴾
تكملة لأحوال أهل الكتاب المتحدّث عنهم ببيان حالة خُلقهم بعد أن بيّن اختلال أمانتهم في تبليغ الدين، وهذا ضرب آخر جاء به فريق آخر من أهل الكتاب فلذلك عبّر عنهم بالمَوصول للتوصّل إلى ذكر صلته العجيبة من حال من يفعل الشرّ والخسّة ثم لا يقف عند حدّ الانكسار لما فعل أو تطَلُّب الستر على شنعته، بل يرتقي فيترقّب ثناء الناس على سوء صنعه، ويتطلّب المحمدة عليه.


الصفحة التالية
Icon