قوله تعالى ﴿ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
﴿قال عيسى﴾ ونسبه زيادة في التصريح به تحقيقاً ولأنه لا أب له وتسفيهاً لمن أطراه أو وضع من قدره فقال :﴿ابن مريم اللهم﴾ فافتتح دعاءه بالاسم الأعظم ثم بوصف الإحسان فقال :﴿ربنا﴾ أي أيها المحسن إلينا ﴿أنزل علينا﴾ وقدم المقصود فقال :﴿مائدة﴾ وحقق موضع الإنزال بقوله :﴿من السماء﴾ ثم وصفها بما تكون به بالغة العجب عالية الرتب فقال :﴿تكون﴾ أي هي أو يوم نزولها ﴿لنا عيداً﴾ وأصل العيد كل يوم فيه جمع، ثم قيد بالسرور فالمعنى : نعود إليها مرة بعد مرة سروراً بها، ولعل منها ما يأتي من البركات حين ترد له عليه السلام - كما في الأحاديث الصادقة، ويؤيد ذلك قوله مبدلاً من " لنا " :﴿لأولنا وآخرنا ﴾.
ولما ذكر الأمر الدنيوي، أتبعه الأمر الديني فقال :﴿وآية منك﴾ أي علامة على صدقي ﴿وارزقنا﴾ أي رزقاً مطلقاً غير مقيد بها ؛ ولما كان التقدير : فأنت خير المسؤولين، عطف عليه قوله :﴿وأنت خير الرّازقين﴾ أي فإنك تغني من تعطيه وتزيده عما يؤمله ويرتجيه بما لا ينقص شيئاً مما عندك، ولا تطلب منه شيئاً غير أن ينفع نفسه بما قويته عليه من طاعتك بذلك الرزق ﴿قال الله﴾ أي الملك المحيط علماً وقدرة. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٧٠ ـ ٥٧١﴾

فصل


قال الفخر :
أما الكلام في ﴿اللهم﴾ فقد تقدم بالاستقصاء في سورة آل عمران في قوله ﴿قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء﴾ [ آل عمران : ٢٦ ] فقوله :﴿اللهم﴾ نداء، وقوله ﴿رَبَّنَا﴾ نداء ثان وأما قوله ﴿تَكُونُ لَنَا﴾ صفة للمائدة وليس بجواب للأمر، وفي قراءة عبد الله ﴿تَكُنْ﴾ لأنه جعله جواب الأمر.


الصفحة التالية
Icon