قوله تعالى ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (١٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما علم بذلك كله أحوال الفريقين، أقبل عليهم واعظاً منادياً متلطفاً مستعطفاً مرغباً مرهباً فقال :﴿يا أهل الكتاب﴾ أي عامة ﴿قد جاءكم رسولنا﴾ أي الذي أرسلناه مما لنا من العظمة فليظهرن بذلك على من ناواه ﴿يبين لكم﴾ أي يوضح إيضاحاً شافياً ﴿كثيراً مما كنتم﴾ أي بما لكم من جبلة الشر والخيانة ﴿تخفون من الكتاب﴾ أي العظيم المنزل عليكم، من صفة محمد ﷺ وحكم الزنا وغيرهما، لإحياء سنة وإماتة بدعة - كما مضى منه ما شاء الله في سورة البقرة، وذلك دال بلا شبهة على صحة رسالته ﴿ويعفوا عن كثير﴾ أي فلا يفضحكم بإظهاره امتثالاً لأمرنا له بذلك - كما تقدم أنه إحسان منه ﷺ إليكم، لأنه لا فائدة في إظهاره إلا فضيحتكم.
ولما أخبر عن فصله للخفايا، وكان التفصيل لا يكون إلا بالنور، اقتضى الحال توقع الإخبار بأنه نور، فقال مفتتحاً بحرف التوقيع والتحقيق :﴿قد جاءكم﴾ وعظمه بقوله معبراً بالاسم الأعظم :﴿من الله﴾ أي الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال ﴿نور﴾ أي واضح النورية، وهو محمد ﷺ الذي كشف ظلمات الشك والشرك، ودل على جمعه مع فرقه بقوله :﴿وكتاب﴾ أي جامع ﴿مبين﴾ أي بين في نفسه، مبين لما كان خافياً على الناس من الحق. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤١٨ ـ ٤١٩﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما حكى عن اليهود وعن النصارى نقضهم العهد وتركهم ما أمروا به، دعاهم عقيب ذلك إلى الإيمان بمحمد ﷺ فقال ﴿يا أَهْلِ الكتاب﴾ والمراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى، وإنما وحد الكتاب لأنه خرج مخرج الجنس، ثم وصف الرسول بأمرين : الأول : أنه يبين لهم كثيراً مما كانوا يخفون.
قال ابن عباس : أخفوا صفة محمد ﷺ، وأخفوا أمر الرجم، ثم إن الرسول ﷺ بيّن ذلك لهم، وهذا معجز لأنه عليه الصلاة والسلام لم يقرأ كتاباً ولم يتعلم علماً من أحد، فلما أخبرهم بأسرار ما في كتابهم كان ذلك إخباراً عن الغيب فيكون معجزاً.
والوصف الثاني للرسول : قوله ﴿وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ﴾ أي لا يظهر كثيراً مما تكتمونه أنتم، وإنما لم يظهره لأنه لا حاجة إلى إظهاره في الدين، والفائدة في ذكر ذلك أنهم يعلمون كون الرسول عالماً بكل ما يخفونه، فيصير ذلك داعياً لهم إلى ترك الإخفاء لئلا يفتضحوا.
ثم قال تعالى :﴿قَدْ جَاءكُمْ مّنَ الله نُورٌ وكتاب مُّبِينٌ﴾
وفيه أقوال :
الأول : أن المراد بالنور محمد، وبالكتاب القرآن، والثاني : أن المراد بالنور الإسلام، وبالكتاب القرآن.


الصفحة التالية
Icon