قوله تعالى ﴿ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان الحامل لهم على هذا مجرد استبعاد أن يختص عنهم بفضيلة وهو منهم كما سيأتي في غير هذه السورة، أنكر ذلك عليهم بقوله :﴿أو عجبتم﴾ أي أكذبتم وعجبتم ﴿أن جاءكم﴾ وضمن جاء معنى أنزل، فلذلك جعلت صلته " على " فقال :﴿ذكر﴾ رسالة ﴿من ربكم﴾ أي المحسن إليكم بالإيجاد والتربية منزلاً ﴿على الرجل﴾ أي كامل في الرجولية وهو مع ذلك بحيث لا تتهمونه فإنه ﴿منكم﴾ لقولكم :﴿ما سمعنا بهذا﴾ أي إرسال البشر ﴿في آبائنا الأولين ﴾ [ المؤمنون : ٢٤ ] ﴿لينذركم﴾ لتحذروا ما ينذركموه ﴿ولتتقوا﴾ أي تجعلوا بينكم وبين ما تحذرونه وقاية لعلكم تنجون ﴿ولعلكم ترحمون﴾ أي وليكون حالكم إذا لقيتم الله حال من ترجى رحمته بأن يرفعه الله في الدارين. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٣ صـ ٤٩﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن قوله :﴿أوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ على رَجُلٍ مّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ﴾ يدل على أن مراد القوم من قولهم لنوح عليه السلام :﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضلال مُّبِينٍ﴾ [ الأعراف : ٦٠ ] هو أنهم نسبوه في ادعاء النبوة إلى الضلال، وذلك من وجوه : أحدها : أنهم استبعدوا أن يكون لله رسول إلى خلقه، لأجل أنهم اعتقدوا أن المقصود من الإرسال هو التكليف.
والتكليف لا منفعة فيه للمعبود لكونه متعالياً عن النفع والضرر، ولا منفعة فيه للعابد، لأنه في الحال يوجب المضرة العظيمة، وكل ما يرجى فيه من الثواب ودفع العقاب، فالله قادر على تحصيله بدون واسطة التكليف، فيكون التكليف عبثاً، والله متعال عن العبث، وإذا بطل التكليف بطل القول بالنبوة.


الصفحة التالية
Icon