قوله تعالى ﴿ وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (٩٩) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (١٠٠) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (١٠١) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (١٠٢) ﴾
" فصل "
قال البقاعى :
﴿وتركنا بعضهم﴾ أي بعض من خلف السد ومن أمامه ﴿يومئذ﴾ أي إذ جعلنا السد دكاء وخرجوا مقدمتهم بالشام وساقطتهم بخراسان، وهم - كما قال الله تعالى - ﴿من كل حدب ينسلون ﴾.
﴿يموج﴾ أي يضطرب ﴿في بعض﴾ كما يموج البحر، فأهلكوا ما مروا عليه من شيء إلا ما أراد الله، ثم أبادهم الذي خلقهم وبقرب ذلك أفنى الخلائق أجمعين ﴿ونفخ في الصور﴾ أي النفخة الثانية لقوله :﴿فجمعناهم﴾ ويجوز أن تكون هذه الفاء الفصيحة فيكون المراد النفخة الأولى، أو ونفخ في الصور فمات الخلائق كلهم، فبليت أجسامهم، وتفتتت عظامهم، كما كان من تقدمهم، ثم نفخ فيه النفخة الثانية فجمعناهم من التراب بعد تمزقهم فيه، وتفرقهم في أقطار الأرض بالسيول والرياح وغير ذلك ﴿جمعاً﴾ فأقمناهم دفعة واحدة كلمح البصر، وحشرناهم إلى الموقف للحساب ثم العقاب أو الثواب ﴿وعرضنا﴾ أي أظهرنا ﴿جهنم يومئذ﴾ أي إذ جمعناهم لذلك ﴿للكافرين عرضاً﴾ ظاهراً لهم كل ما فيها من الأهوال وهم لا يجدون عنها مصرفاً ؛ ثم وصفهم بما أوجب سجنهم فيها وتجهمها لهم فقال :﴿الذين كانت﴾ كوناً كأنه جبلة لهم ﴿أعينهم﴾ الوجهية والقلبية ﴿في غطاء عن ذكري﴾ بعدم النظر فيما جعلنا على الأرض من زينة دليلاً على الساعة بإفنائه إثر إحيائه وإعادته بعد إبدائه ﴿وكانوا﴾ بما جبلناهم عليه ﴿لا يستطيعون﴾ أي استطاعة عظيمة تسعدهم، لضعف عقولهم، وغرق استبصارهم في فضولهم ﴿سمعاً﴾ لآياتي التي تسمع الصم وتبصر الكمه، وهو أبلغ في التبكيت بالغباوة والتقريع بالبلادة من مجرد نفي البصر والسمع، لأن ذلك لا ينفي الاستطاعة ؛ ثم عطف على ما أفهمه ذلك قوله موبخاً لهم ومبكتاً :﴿أفحسب﴾ أي أغطوا أعينهم عن آياتي وأصموا أسماعهم عن كلماتي، وعبدوا عبادي فحسبوا لضعف عقولهم، وإنما قال :﴿الذين كفروا﴾ دلالة على الوصف الذي أوجب لهم ذلك ﴿أن يتخذوا﴾ أي ولو بذلوا الجهد ﴿عبادي﴾ من الأحياء كالملائكة وعزير والمسيح، والأموات كالأصنام.


الصفحة التالية
Icon