قوله تعالى :﴿وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (١٦١)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان الغلول من أعظم موجبات الخذلان أو أعظمها.
والنزاهة عن من أعظم موجبات النصر، كان أنسب الأشياء تعقيب هذه الآية بآية الغلول بياناً، لأنه كان سبب هزيمتهم في هذه الغزوة، فإنه لا يخذل إلا بالذنوب، ومن أعظم الذنوب الموجبة للخذلان الغلول فيكون المراد بتنزيهه ﷺ عنه - والله أعلم - أن إقبالهم عن نهب الغنائم قبل وقته إما أن يكون لقصد أن يغلو بإخفاء ما انتهبوه أو بعضه، وإما أن يكون للخوف من أن يغل رئيسهم وحاشاه! وإما أن يكون للخوف من مطلق الخيانة بأن لا يقسمه ﷺ بينهم على السواء، وحاشاه من كل من ذلك! وأما المبادرة إلى النهب لغير هذا القصد فخفة وطيش وعبث، لا يصوب عاقل إليه ؛ إذا تقرر هذا فيمكن أن يكون التقدير : فليتوكلوا في كبت العدو وتحصيل ما معه من الغنائم، فلا يقبلوا على ذلك إقبالاً يتطرق منه احتمال لظن السوء بهاديهم في أن يغل، وهو الذي أخبرهم بتحريم الغلول وبأنه سبب للخذلان، وما نهى ﷺ قط عن شيء إلا كان أول تارك له وبعيد منه وما كان ينبغي لهم أن يفتحوا طريقاً إلى هذا الاحتمال فعبر عن ذلك بقوله عطفاً على ﴿وكأين من نبي﴾ [ آل عمران : ١٤٦ ] ﴿وما كان﴾ أي ما تأتى وما صح في وقت من الأوقات ولا على حالة من الحالات ﴿لنبي﴾ أي أي نبي كان فضلاً عن سيد الأنبياء وإمام الرسل ﴿أن يغل﴾ تبشيعاً لفعل ما يؤدي إلى هذا الاحتمال زجراً من معاودة مثل ذلك الفعل المؤدي إلى تجويز شيء مما ذكر، وعلى قراءة الجماعة غير ابن كثير وأبي عمرو - بضم الياء وفتح العين مجهولاً من : أغل - المعنى : وما كان له وما صح أن يوجد غالاً، أو ينسب إلى الغلول، أو يظن به ما يؤدي إلأى ذلك ؛ ويجوز أن يكون التقدير بعد الأمر بالتوكل على الله سبحانه وتعالى وحده : فلا تأتوا إن كنتم مؤمنين بما يقدح في التوكل كالغلول وما يدانيه