قوله تعالى :﴿الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٦٨)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما حكى عنهم ما لا يقوله ذو إيمان أتبعه ما لا يتخيله ذو مروة ولا عرفان فقال مبيناً للذين نافقوا :﴿الذين قالوا لإخوانهم﴾ أي لأجل إخوانهم والحال أنهم قد أسلموهم ﴿وقعدوا﴾ أي عنهم خذلاناً لهم ﴿لو أطاعونا﴾ أي في الرجوع ﴿ما قتلوا﴾ ولما كان هذا موجباً للغضب أشار إليه بإعراضه في قوله :﴿قل﴾ أي لهؤلاء الأجانب الذين هم بمنزلة الغيبة عن حضرتي لما تسبب عن قولهم هذا من ادعاء القدرة على دفع الموت ﴿فادرءوا﴾ أي ادفعوا بعز ومنعة وميّلوا ﴿عن أنفسكم الموت﴾ أي حتى لا يصل إليكم أصلاً ﴿إن كنتم صادقين﴾ أي في أن الموت يغني منه حذر.
فقد انتظم الكلام بما قبل الجملة الواعظة أتم انتظام على أنه قد لاح لك أن ملائمة الجمل الواعظة لما قبلها وما بعدها ليس بدون ملاءمة ما قبلها من صلب القصة لما بعدها منه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٧٩ ـ ١٨٠﴾
وقال الفخر :
اعلم أن الذين حكى الله عنهم أنهم قالوا :﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتبعناكم﴾ [ آل عمران : ١٦٧ ] وصفهم الله تعالى بأنهم كما قعدوا واحتجوا لقعودهم، فكذلك ثبطوا غيرهم واحتجوا لذلك، فحكى الله تعالى عنهم أنهم قالوا لإخوانهم إن الخارجين لو أطاعونا ما قتلوا، فخوفوا من مراده موافقة الرسول ﷺ في محاربة الكفار بالقتل لما عرفوا ما جرى يوم أحد من الكفار على المسلمين من القتل، لأن المعلوم من الطباع محبة الحياة فكان وقوع هذه الشبهة في القلوب يجري مجرى ما يورده الشيطان من الوسواس. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٩ صـ ٧١﴾