قوله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (٦٩) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان السبب في هذا التهديد كله ما كانوا يتعمدونه من أذى رسول الله ـ ﷺ ـ بقولهم : تزوج امرأة ابنه، وغير ذلك إلى أن ختمه بما يكون سبباً لتمنيهم طاعته، وكان سماع هذا لطفاً لمن صدق به، أتبعه ما هو كالنتيجة له فقال :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي صدقوا بما تلي عليهم ﴿لا تكونوا﴾ بأذاكم للرسول ـ ﷺ ـ بأمر زينب ـ رضى الله عنها ـ أو غيره.
كوناً هو كالطبع لكم ﴿كالذين آذوا موسى﴾ من قومه بني إسرائيل آذوه بأنواع الأذى كما قال نبينا ـ ﷺ ـ حين قسم قسماً فتكلم فيه بعضهم فقال : لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر وأنسب الأشياء للإرادة هنا أذى قارون له بالزانية التي استأجرها لتقذفه بنفسها فبرأة الله من ذلك، وكان سبب الخسف بقارون ومن معه ﴿فبرأه﴾ أي فتسبب عن أذاهم له أن برأة ﴿الله﴾ أي الذي له صفات الجلال والجمال والقدرة على كل شيء والكمال، وأفهم التعبير بالتفعيل أن البراءة كانت بالتدريج بالخسف وموت الفجاءة وإبراق عصا هارون كما مضى في آخر القصص.
ولما نهى عن التشبه بالمؤذين أعم من أن يكون أذاهم قولياً أو فعلياً، أشار إلى أن الأذى المراد هنا قولي مثله في أمر زينب ـ رضى الله عنه ـ ا فقال :﴿مما قالوا﴾ دون أن يقول : مما آذوا، وذلك بما أظهره من البرهان على صدقه فخسف بمن آذاه كما مضى في القصص فإياكم ثم إياكم.
ولما كان قصدهم بهذا الأذى إسقاط وجاهته قال :﴿وكان﴾ أي موسى عليه السلام، كوناً راسخاً ﴿عند الله﴾ أي الذي لا يذل من والى ﴿وجيهاً﴾ أي معظماً رفيع القدر إذا سأله أعطاه، وإذا كان عند الله بهذه المنزلة كان عند الناس بها، لما يرون من إكرام الله له، والجملة كالتعليل للتبرئة لأنه لا يبرئ الشخص إلا من كان وجيهاً عنده.
ولما نهاهم عن الأذى، أمر بالنفع ليصيروا وجهاء عنده سبحانه مكرراً للنداء استعطافاً وإظهاراً للاهتمام فقال :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي ادعوا ذلك.