قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر خلق الخافقين، أتبعه خلق ما هو جامع لجميع ما هو فيها فقال :﴿ولقد﴾ أي والحال أنا قد ﴿خلقنا﴾ بما لنا من العظمة ﴿الانسان﴾ وهو أعجب خلقاً وأجمع من جميع ما مضى ذكره بما فيه من الأنس والطغيان، والذكر والنسيان، والجهل والعرفان، والطاعة والعصيان، وغير ذلك من عجيب الشأن، ووكلنا به من جنودنا من يحفظه فيضبط حركاته وسكناته وجميع أحواله ﴿ونعلم﴾ أي والحال أننا نعلم بما لنا من الإحاطة ﴿ما توسوس﴾ أي تكلم على وجه الخفاء، ﴿به﴾ الآن وفيما بعد ذلك مما لم ينقدح بعد من خزائن الغيب إلى سر النفس كما علمنا ما تكلم ﴿نفسه﴾ وهي الخواطر التي تعترض له حتى أنه هو ربما عجز عن ضبطها، فنحن نعلم أن قلوبهم عالمة بقدرتنا على أكمل ما نريد وبصحة القرآن وإعجازه وصدق الرسول به ـ ﷺ ـ وامتيازه، وإنما حملهم الحسد والنفاسة والكبر والرئاسة على الإنكار باللسان حتى صار ذلك لهم خلقاً وتمادوا فيه حتى غطى على عقولهم، فصاروا في لبس محيط بهم من جميع الجوانب.


الصفحة التالية
Icon