قوله تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (٥١)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما عجب من كذبهم دلَّ عليه بقوله :﴿ألم تر﴾ وكان الأصل : إليهم، ولكنه قال - لزيادة التقريع والتوبيخ والإعلام بأن كفرهم عناد لكونه عن علم - :﴿إلى الذين﴾ وعبر بإلى دلالة على بعدهم عن الحضرات الشريفة ﴿أوتوا نصيباً من الكتاب﴾ أي الذي هو الكتاب في الحقيقة لكونه من الله ﴿يؤمنون بالجبت﴾ وهو الصنم والكاهن والساحر والذي لا خير فيه وكل ما عبد من دون الله ﴿والطاغوت﴾ وهو اللات والعزى والكاهن والشيطان وكل رأس ضلال والأصنام وكل ما عبد من دون الله ؛ وكل هذه المعاني تصح إرادتها هنا، وهي مما نهي عنه في كتابهم - وأصله ومداره مجاوزة الحد عدواناً، وهو واحد وقد يكون جمعاً، قال سبحانه وتعالى ﴿أوليائهم الطاغوت يخرجونهم﴾ [ البقرة : ٢٥٧ ] والحال أن أقل نصيب من الكتاب كافٍ في النهي عن ذلك وتكفير فاعله.
ولما دل على ضلالهم دل على إضلالهم بقوله - معبراً بصيغة المضارع دلالة على عدم توبتهم - :﴿ويقولون للذين كفروا﴾ ودل بالتعبير بالإشارة دون الخطاب على أنهم يقولون ذلك فيهم حتى في غيبتهم، حيث لا حامل لهم على القول إلا محض الكفر فقال :﴿هؤلاء﴾ أي الكفرة العابدون للأصنام ﴿أهدى﴾ أي أقوم في الهداية ﴿من الذين آمنوا﴾ أي أوقعوا هذه الحقيقة، فيفهم ذمهم بالتفضيل على الذين يؤمنون ومن فوقهم من باب الأولى ﴿سبيلاً﴾ مع أن في كتابهم من إبطال الشرك وهدمه وعيب مدانيه وذمه في غير موضع تأكيداً أكيداً وأمراً عظيماً شديداً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٦٧﴾
وقال الفخر :
اعلم أنه تعالى حكى عن اليهود نوعا آخر من المكر، وهو أنهم كانوا يفضلون عبدة الأصنام على المؤمنين، ولا شك أنهم كانوا عالمين بأن ذلك باطل، فكان إقدامهم على هذا القول لمحض العناد والتعصب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٠٣﴾


الصفحة التالية