قوله تعالى ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
﴿قال﴾ لما أيس منهم معرضاً عنهم شاكياً إلى الله تعالى ﴿رب﴾ أي أيها المحسن إليّ.
ولما كان من حق الرسول أن يقيه كل أحد بنفسه وولده فكيف بما دون ذلك، فكان لا يصدق أحد أن أتباعه لا يطيعونه، جرى على طبع البشر وإن كان يخاطب علام الغيوب قال مؤكداً :﴿إني﴾ ولما فهم من أمر الرجلين لهم بالدخول أنهما قيّدا دخولهما بدخول الجماعة، خص في قوله :﴿لا أملك إلا نفسي وأخي﴾ أي ونحن مطيعان لما تأمر به ﴿فافرق بيننا﴾ أي أنا وأخي ﴿وبين القوم الفاسقين﴾ أي الخارجين عن الطاعة قولاً وفعلاً، ولا تجمعنا معهم في بين واحد، في فعل ولا جزاء. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤٢٧﴾

فصل


قال الفخر :
إنه تعالى حكى عن موسى عليه السلام أنه لما سمع منهم هذا الكلام ﴿قَالَ رَبّ إِنّى لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِى وَأَخِى﴾ ذكر الزجاج في إعراب قوله ﴿وَأَخِى﴾ وجهين : الرفع والنصب، أما الرفع فمن وجهين : أحدهما : أن يكون نسقاً على موضع ﴿إِنّى﴾ والمعنى أنا لا أملك إلا نفسي، وأخي كذلك ومثله قوله ﴿أَنَّ الله بَرِىء مّنَ المشركين وَرَسُولُهُ﴾ [ التوبة : ٣ ] والثاني : أن يكون عطفاً على الضمير في ﴿أَمْلِكُ﴾ وهو "أنا" والمعنى : لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا، وأما النصب فمن وجهين : أحدهما أن يكون نسقاً على الياء، والتقدير : إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا، والثاني : أن يكون ﴿أَخِى﴾ معطوفاً على ﴿نَفْسِى﴾ فيكون المعنى لا أملك إلا نفسي، ولا أملك إلا أخي، لأن أخاه إذا كان مطيعاً له فهو مالك طاعته.
فإن قيل : لم قال لا أملك إلا نفسي وأخي، وكان معه الرجلان المذكوران ؟
قلنا : كأنه لم يثق بهما كل الوثوق لما رأى من إطباق الأكثرين على التمرد، وأيضاً لعلّه إنما قال ذلك تقليلاً لمن يوافقه، وأيضاً يجوز أن يكون المراد بالأخ من يواخيه في الدين، وعلى هذا التقدير فكانا داخلين في قوله ﴿وَأَخِى ﴾.


الصفحة التالية
Icon