قوله تعالى ﴿ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٢٦) ﴾
" فصل "
قال البقاعى :
﴿وهم﴾ حال من فاعل ﴿يستمع﴾ أي يستمعون إليك والحال أنهم ﴿ينهون عنه﴾ أي عن الاستماع أو عن اتباع القرآن ﴿وينأون﴾ أي يبعدون ﴿عنه﴾ أي كما وقع لأبي جهل وصاحبيه في المعاهدة على ترك المعاودة للسماع وما يتبعه ﴿وإن﴾ أي وما ﴿يهلكون﴾ أي بعبادتهم ومكابدتهم ﴿إلاّ أنفسهم﴾ أي وما هم بضاريك ولا بضاري أحد من أتباعك فيما يقدح في المقصود من إرسالك من إظهار الدين ومحو الشرك وإذلال المفسدين ﴿وما يشعرون﴾ أي وما لهم نوع شعور بما يؤديهم إليه الحال، بل هم كالبهائم، بل هي أصلح حالاً منهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٢٢﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما بيّن أنهم طعنوا في كون القرآن معجزاً بأن قالوا : إنه من جنس أساطير الأولين وأقاصيص الأقدمين ؛ بين في هذه الآية أنهم ينهون عنه وينأون عنه، وقد سبق ذكر القرآن وذكر محمد عليه السلام، فالضمير في قوله ﴿عَنْهُ﴾ محتمل أن يكون عائداً إلى القرآن وأن يكون عائداً إلى محمد عليه الصلاة والسلام، فلهذا السبب اختلف المفسرون فقال بعضهم :﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ أي عن القرآن وتدبره والاستماع له.
وقال آخرون : بل المراد ينهون عن الرسول.
واعلم أن النهي عن الرسول عليه السلام محال بل لا بدّ وأن يكون المراد النهي عن فعل يتعلق به عليه الصلاة والسلام، وهو غير مذكور فلا جرم حصل فيه قولان : منهم من قال المراد أنهم ينهون عن التصديق بنبوّته والإقرار برسالته.
وقال عطاء ومقاتل : نزلت في أبي طالب كان ينهى قريشاً عن إيذاء النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يتباعد عنه ولا يتبعه على دينه.
والقول الأول : أشبه لوجهين : الأول : أن جميع الآيات المتقدمة على هذه الآية تقتضي ذم طريقتهم، فكذلك قوله ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ ينبغي أن يكون محمولاً على أمر مذموم، فلو حملناه على أن أبا طالب كان ينى عن إيذائه، لما حصل هذا النظم.
والثاني : أنه تعالى قال بعد ذلك ﴿وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ﴾ يعني به ما تقدم ذكره.
ولا يليق ذلك بأن يكون المراد من قوله ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ النهي عن أذيته، لأن ذلك حسن لا يوجب الهلاك.
فإن قيل : إن قوله ﴿وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ﴾ يرجع إلى قوله ﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾ لا إلى قوله ﴿يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ لأن المراد بذلك أنهم يبعدون عنه بمفارقة دينه، وترك الموافقة له وذلك ذم فلا يصح ما رجحتم به هذا القول.