قوله تعالى ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨) ﴾
" فصل "
قال البقاعى :
﴿فلما تراءى الجمعان﴾ أي صارا بحيث يرى كل منهما الآخر ﴿قال أصحاب موسى﴾ ضعفاً وعجزاً استصحاباً لما كانوا فيه عندهم من الذل، ولأنهم أقل منهم بكثير بحيث يقال : إن طليعة آل فرعون كانت على عدد بني إسرائيل، وذلك محق لتقليل فرعون لهم، وكأنه عبر عنهم ب " أصحاب " دون " بني إسرائيل " لأنه كان قد آمن كثير من غيرهم :﴿إنا لمدركون﴾ أي لأنهم قد وصلوا ولا طريق لنا وقد صرنا بين سدين من حديد وماء، العدو وراءنا والماء أمامنا ﴿قال﴾ أي موسى عليه الصلاة والسلام وثوقاً بوعد الله، ناطقاً بمثل ما كلمه به ربه في أول القصة من قوله :﴿كلا﴾ أي لا يدركونكم أصلاً ؛ ثم علل ذلك تسكيناً لهم بقوله :﴿إن معي ربي﴾ فكأنهم قالوا : وماذا عساه يفعل وقد وصلوا؟ قال :﴿سيهدين﴾ أي بوعد مؤكد عن قرب، إلى ما أفعل مما فيه خلاصكم، وتقدم في براءة سر تقديم المعية و خصوصها والتعبير باسم الرب ﴿فأوحينا﴾ أي فتسبب عن كلامه الدال على المراقبة أنا أوحينا ؛ ونوه باسمه الكريم جزاء له على ثقته به سبحانه فقال :﴿إلى موسى﴾ وفسر الوحي الذي فيه معنى القول بقوله :﴿أن اضرب بعصاك البحر﴾ أي الذي أمامكم، وهو بحر القلزم الذي يتوصل أهل مصر منه إلى الطور وإلى مكة المشرفة وما والاها ﴿فانفلق﴾ أي فضربه فانشق بسبب ضربه لما ضربه امتثالاً لأمر الله وصار اثني عشر فرقاً على عدد أسباطهم ﴿فكان كل فرق﴾ أي جزء وقسم عظيم منه ﴿كالطود﴾ أي الجبل في إشرافه وطوله وصلابته بعدم السيلان ﴿العظيم﴾ المتطاول في السماء الثابت لا يتزلزل، لأن الماء كان منبسطاً في أرض البحر، فلما انفرق وانكشفت فيه الطرق انضم بعضه إلى بعض فاستطال وارتفع في السماء.
ولما كان التقدير : فأدخلنا كل شعب منهم في طريق من تلك الطرق، عطف عليه :﴿وأزلفنا﴾ أي قربنا بعظمتنا من قوم موسى عليه السلام ؛ قال البغوي.
قال أبو عبيدة : جمعنا، ومنه ليلة المزدلفة، أي ليلة الجمع.


الصفحة التالية
Icon