قوله تعالى :﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٥٤)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان أمانهم بعد انخلاع قلوبهم بعيداً، ولا سيما بكونه بالنعاس الذي هو أبعد شيء عن ذلك المقام الوعر والمحل الضنك عطف بأداة البعد في قوله :﴿ثم أنزل عليكم﴾ ولما أفاد بأداة الاستعلاء عظمة الأمن، وكان متصلاً بالغم ولم يستغرق زمن ما بعده أثبت الجار فقال :﴿من بعد الغم﴾ أي المذكور وأنتم في نحر العدو ﴿أمنة﴾ أي أمناً عظيماً، ثم ابدل منها تنبيهاً على ما فيها من الغرابة قوله :﴿نعاساً﴾ دليلاً قطعياً فإنه لا يكون إلا من أمن ؛ روي البخاري في التفسير عن أنس رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه قال :" غشينا النعاس ونحن في مصافنا يوم أحد، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه " ولما كان لبعضهم فقط استأنف وصفه بقوله :﴿يغشى طائفة منكم﴾ وهم المؤمنون، وابتدأ الإخبار عن الباقين بقوله :﴿وطائفة﴾ أي أخرى من المنافقين ﴿قد أهمتهم أنفسهم﴾ لا المدافعة عن الدين فهم إنما يطلبون خلاصها، ولا يجدون إلى ذلك فيما يظنون سبيلاً لاتصال رعبهم وشدة جزعهم، فعوقبوا على ذلك بأنه لم يحصل لهم الأمن المذكور، ثم فسر همهم فقال :﴿يظنون بالله﴾ المحيط بصفات الكمال ﴿غير الحق﴾ أي من أن نصره بعده هذا لا يمكن، أو أنهم لو قعدوا في المدينة لم يقتل أحد، ونحو ذلك من سفساف الكلام وفاسد الظنون التي فتحتها لو والأوهام ﴿ظن الجاهلية﴾ أي الذين لا يعلمون - من عظمة الله سبحانه وتعالى بأن ما أراده كان ولا يكون غيره - ما يعلم أتباع الرسل.


الصفحة التالية
Icon