قوله تعالى ﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٢٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
﴿قال فإنها﴾ أي الأرض المقدسة ﴿محرمة عليهم﴾ أي بسبب أقوالهم هذه وأفعالهم، لا يدخلها ممن قاله هذه المقالة أو رضيها أحد، بل يمكثون ﴿أربعين سنة﴾ ثم استأنف جواباً لمن تشعب فكره في تعرف حالهم في هذه الأربعين ومحلهم من الأرض قوله :﴿يتيهون﴾ أي يسيرون متحيرين ﴿في الأرض﴾ حتى يهلكوا كلهم، والتيه : المفازة التي يحير سالكها فيضل عن وجه مقصده، روي أنهم أقاموا هذه المدة في ستة فراسخ يسيرون كل يوم جادين، ثم يمشون في الموضع الذي ساروا منه، ثم سبب عن إخباره بعقوبتهم قوله :﴿فلا تأس﴾ أي تحزن حزناً مؤيساً ﴿على القوم﴾ أي الأقوياء الأبدان الضعفاء القلوب ﴿الفاسقين﴾ أي الخارجين من قيد الطاعات، ثم بعد هلاكهم أدخلها بنيهم الذين نشأوا في التيه لسلامتهم من اعوجاج طباعهم التي ألبستهم إياها بلاد الفراعنة، فإني كتبتها لبني إسرائيل، ولم أخبر بتعيينهم - وإن كانوا معينين في علمي - كما اقتضت ذلك حكمتي ؛ وفي هذه القصة أوضح دليل على نقضهم للعهود التي بنيت السورة على طلب الوفاء بها وافتتحت بها، وصرح بأخذها عليهم في قوله :﴿ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل﴾ [ المائدة : ١٢ ] إلى أن قال :﴿وآمنتم برسلي وعزرتموهم﴾ [ المائدة : ١٢ ] وفي ذلك تسلية للنبي ﷺ فيما يفعلونه معه، وتذكير له بالنعمة على قومه بالتوفيق، وترغيب لمن أطاع منهم وترهيب لمن عصى، ومات في تلك الأربعين كل من قال ذلك القول أو رضيه حتى النقباء العشرة، وكان الغمام يظلهم من حر الشمس، ويكون لهم عمود من نور بالليل يضيء هاهنا عليهم - وغير هذا من النعم، لأن المنع بالتيه كان تأديباً لهم لا غضباً فإنهم تابوا. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٤٢٧ ـ ٤٢٨﴾

فصل


قال الفخر :
قوله ﴿فَإِنَّهَا﴾ أي الأرض المقدسة محرمة عليهم، وفي قوله ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً﴾ قولان :


الصفحة التالية