قوله تعالى ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أخبر سبحانه أنه هو الفاعل وحده، أتبعه الدليل عليه إضلال الذين بدلوا الكلمة الطيبة من التوحيد بالإشراك وزلزلتهم واجتثاث كلمتهم فقال :﴿ألم تر﴾ وأشار إلى بعدهم عن مقامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقوله :﴿إلى الذين بدلوا﴾ والتبديل : جعل الشيء مكان غيره ﴿نعمت الله﴾ أي المستجمع لصفات الكمال التي أسبغها عليهم من كلمة التوحيد، وما أورثهم من دين أبيهم إسماعيل عليه السلام ومن جميع النعم الدنيوية من أمن البلد وتيسير الرزق وغير ذلك، بأن جعلوا مكان شكرها ﴿كفراً﴾ وهم يدعون أنهم أشكر الناس للإحسان، وأعلاهم همماً في الوفاء، وأبعدهم عن الخناء ﴿وأحلوا قومهم﴾ بذلك ﴿دار البوار﴾ أي الهلاك، مع ادعائهم أنهم أذب الناس عن الجار فضلاً عن الأهل، روى البخاري في التفسير أنهم كفار أهل مكة.
والبوار : الهلاك الزائد، والإحلال : جعل الشيء في محل، فإن كان جوهراً فهو إحلال مجاورة.
وإن كان عرضاً فهو إحلال مداخلة.
ولما أفاد أنها مهلكة، بينها بما يفهم أنها تلقاهم بالعبوسة كما كانوا يلقون أولياء الله من الرسل وغيرهم بذلك فقال :﴿جهنم﴾ حال كونهم ﴿يصلونها﴾ أي يباشرون حرها مع انغماسهم فيها بانعطافها عليهم ؛ ولما كان التقدير : فبئس الإحلال أحلوه أنفسهم وقومهم، عطف عليه قوله :﴿وبئس القرار﴾ ذلك المحل الذي أحلوهم به.
ولما كان هذا الفعل من لا عقل له، بينه بقوله :﴿وجعلوا لله﴾ الذي يعلمون أنه لا شريك له في خلقهم ولا في رزقهم لان له الكمال كله ﴿أنداداً﴾ وقال :﴿ليضلوا﴾ أي بأنفسهم على قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ويعموا غيرهم على قراءة الباقين ﴿عن سبيله﴾ لأنهم إن كانوا عقلاء فإنهم يعلمون أن هذا لازم لفعلهم فهم قاصدون له، وإلا فلا عقول لهم، لأنه لا يقدم على ما لا يعلم عاقبته إلا أبله، وهم يقولون : إنهم أبصر الناس قوباً، وأصفاهم عقولاً.


الصفحة التالية
Icon