قوله تعالى ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (٢٧) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تم ذلك على أوضح المسالك، وختم بالحث على التذكر، وكان تقديم ذكر كتاب موسى محركاً لتوقع ذكر نبئه ونبأ غيره من الرسل، عطف - مقروناً بحرف التوقع على العامل الذي قدرته في قوله :﴿ألا تعبدوا إلا الله﴾ أو على قوله :﴿إنما أنت نذير﴾ وهو أحسن وأقرب - قوله :﴿ولقد أرسلنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿نوحاً إلى قومه﴾ أي الذين هم على لسانه ؛ وما بعد ذلك من القصص تقريراً لمضمون هذا المثل وتثبيتاً وتسلية وتأييداً وتعزية لهذا النبي الكريم لئلا يضيق صدره بشيء مما أمر بإبلاغه حرصاً على إيمان أحد وإن كان أقرب الخلائق إليه وأعزهم عليه كما تقدمت الإشارة إليه في قوله تعالى :﴿فلا يكن في صدرك حرج منه﴾ وقوله :﴿وضائق به صدرك﴾ ويأتي في قوله :﴿وكُلاًّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك﴾ فوضح أن هذه القصص لهذا المعنى سيقت، وأن سياقها في الأعراف وغيرها كان لغير ذلك كما تقدم وأن تضمن هذا الغرض بيان إهلاك من كانوا أشد من العرب قوة وأكثر جمعاً وأمكن أمراً وأقوى عناداً وأعظم فساداً وأحدّ شوكة وما اتفق في ديارهم من الطامات والأهوال المفظعات تحذيراً من مثل حالهم بارتكاب أفعالهم، ففرق بين ما يساق للشيء وما يلزم منه الشيء، ولهذا الغرض المقصود هنا طولت قصة نوح في هذه السورة ما لم يطوله في غيرها، وصدرت بقوله :﴿إني﴾ أي قائلاً على قراءة الجمهور بالكسر، والتقدير عند ابن كثير وأبي عمرو والكسائي : ملتبساً بأني ﴿لكم﴾ أي خاصة ﴿نذير مبين﴾ أي مخوف بليغ التحذير، أبين ما أرسلت به غاية البيان، وذكر فيها أنه طالت مجادلته لهم وأنه لما أوضح له أمر الله تعوذ من السؤال فيه وفي كل ما يشبهه، وخللت قصته بقوله :﴿أم يقولون افتراه﴾ خطاباً لهذا النبي الكريم وختمت بقوله :﴿فاصبر إن العاقبة للمتقين﴾ وذكرت قصة إبراهيم عليه السلام لما ضمنته من أنه بشر الولد بما لم يجر بمثله عادة فلم يتردد فيه، وأنه جادل الرسل في قوم