قوله تعالى ﴿ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أخبرها سبحانه وتعالى بما اختصها به أمرها بالشكر فقال :﴿يا مريم اقنتي﴾ أي أخلصي أفعالك للعبادة ﴿لربك﴾ الذي عودك الإحسان بأن رباك هذه التربية.
ولما قدم الإخلاص الذي هو روح العبادة أتبعه أشرفها فقال :﴿واسجدي﴾ فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
قال الحرالي : وكان من اختصاص هذا الاصطفاء العلي - أي الثاني - ما اختصها من الخطاب بالركوع الذي لحقت به بهذه الأمة الراكعة التي أطلعها الله سبحانه وتعالى من سر عظمته التي هي إزاره على ما لم يطلع عليه أحداً ممن سواها في قوله :﴿واركعي مع الراكعين﴾ كما قال لبني إسرائيل عند الأمر بالملة المحمدية ﴿واركعوا مع الراكعين﴾ [ البقرة : ٤٣ ] - إلى ما يقع من كمال ما بشرت به حيث يكلم الناس كهلاً في خاتمة اليوم المحمدي، ويكمل له الوجود الإنساني حيث يتزوج ويولد له - كما ذكر، ولك كله فيما يشعر به ميم التمام في ابتداء الاسم وانتهائه، وفيما بين التمامين من كريم التربية لها ما يشعر به الراء من تولي الحق لها في تربيتها ورزقها، وما تشعر به الياء من كمالها الذي اختصت على عالمها - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧٩ ـ ٨٠﴾
فصل
قال الفخر :
وفي الآية سؤالات :
السؤال الأول : لم قدم ذكر السجود على ذكر الركوع ؟.
والجواب من وجوه
الأول : أن الواو تفيد الاشتراك ولا تفيد الترتيب
الثاني : أن غاية قرب العبد من الله أن يكون ساجداً قال عليه الصلاة والسلام :" أقرب ما يكون العبد من ربه إذا سجد " فلما كان السجود مختصاً بهذا النوع من الرتبة والفضيلة لا جرم قدمه على سائر الطاعات.