قوله تعالى ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان من أعظم ما يتذكر سار النعم وضار النقم للإقبال على الله والإعراض عما سواه وعدم الأغترار باسباب الأمن والراحة، قال :﴿وكم﴾ أي قلّ تذكركم وخوفكم من سطواتنا والحال أنه كم ﴿من قرية﴾ وإن جلت ؛ ولما كان المراد المبالغة في الإهلاك، أسنده إلى القرية والمراد أهلها فقال :﴿أهلكناها﴾ أي بما لنا من العظمة لظلمها باتباع من دون الله، فلا تغتروا بأوليائكم من دونه وأنتم عالمون بأنهم لم ينفعوا من ضل من الأمم السالفة وقت إنزالنا بهم السطوة وإحلالنا بهم النقمة وتحقق المهلكون إذ ذاك - مع أنهم كانوا أشد بطشاً واكثر عدداً وأمتن كيداً - عدم إغنائهم فلم يوجهوا آمالهم نحوهم.
ولما كان المعنى : أردنا إهلاكها وحكمنا به، سبب عنه قوله :﴿فجاءها بأسنا﴾ أي عذابنا بما لنا من القوة والعظمة، أو الإهلاك على حقيقته وهذا تفصيل له وتفسير ؛ ولما كان لا فرق في إتيان عذابه سبحانه بين كونه ليلاً أو نهاراً، وكان أفحش البأس وأشده ما كان في وقت الراحة والدعة والغفلة قال :﴿بياتاً﴾ أي وقت الاستكنان في البيوت ليلاً كما أهلك قوم لوط عليه السلام وقت السحر.