قوله تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (٥٨)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما تقدم في هذه السورة الأمر بالإحسان والعدل في النساء واليتامى في الإرث وغيره، وفي غير ذلك من الدماء والأموال والأقوال والأفعال، وذكر خيانة أهل الكتاب وما أحل بهم لذلك من العقاب، وذكر أنه آتى هذه الأمة الملك المقتضي للحكم، وآتاهم الحكمة بعد جهلهم وضعفهم ؛ أقبل عليهم بلذيذ خطابه بعد ما وعدهم على امتثال أمره من كريم ثوابه بما ختمه بالظل الموعود على العدل في حديث " سبعة يظلمهم الله في ظله " فقال :﴿إن الله﴾ أي الذي له صفات الكمال ﴿يأمركم﴾ أي أيتها الأمة ﴿أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها﴾ أي من غير خيانة ما، كما فعل أهل الكتاب في كتمان ما عندهم والإخبار بغيره، والأمانة : كل ما وجب لغيرك عليك.
ولما أمر بما يحق للإنسان في نفسه، أمر بما يحق له في معاملة غيره، وحقق لهم ما لم يكونوا يرومونه من أمر الملك بقوله بأداة القطع عاطفاً شيئين على شيئين :﴿إذا حكمتم﴾ وبين عموم ملكهم لسائر الأمم بقوله :﴿بين الناس﴾ وبين المأمور به بقوله :﴿أن تحكموا بالعدل﴾ أي السواء بأن تأمروا من وجب عليه حق بأدائه إلى من هو له، فإن ذلك من أعظم الصالحات الموجبة لحسن المقيل في الظل الظليل، أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل " الحديث.
ولما أخبرهم بأمره زادهم رغبة بقوله :﴿إن الله﴾ معبراً أيضاً بالاسم الأعظم ﴿نعمَّا﴾ أي نعم شيئاً عظيماً ﴿يعظكم به﴾ وحثهم على المبادرة إلى حسن الامتثال بقوله :﴿إن الله﴾ مكرراً لهذا الاسم الشريف ليجتهدوا في الترقي في طهارة الأخلاق إلى حد لم يبلغه غيرهم.


الصفحة التالية
Icon