قوله تعالى ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (٦٥) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (٦٨) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (٦٩) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
فلما أتوا وكانوا خبيرين بأن يقولوا ما ينفعهم في مناصبة موسى عليه السلام، استؤنف الإخبار عنه بقوله تعالى :﴿قالوا﴾ أي السحرة منادين، لأن لين القول مع الخصم إن لم ينفع لم يضر :﴿يا موسى إما أن تلقي﴾ ما معك مما تناظرنا به أولاً ﴿وإما أن نكون﴾ أي نحن ﴿أول من ألقى﴾ ما معه ﴿قال﴾ أي موسى مقابلاً لأدبهم بأحسن منه ولأنه فهم أن مرادهم الابتداء، وليكون هو الآخر فيكون العاقبة بتسليط معجزته على سحرهم فلا يكون بعدها شك : لا ألقي أنا أولاً ﴿بل ألقوا﴾ أنتم أولاً، فانتهزوا الفرصة، لأن ذلك كان مرادهم بما أفهموه من تعبير السياق والتصريح بالأول، فألقوا ﴿فإذا حبالهم وعصيهم﴾ التي ألقوها ﴿يخيل إليه﴾ وهو صفينا تخييلاً مبتدئاً ﴿من سحرهم﴾ الذي كانوا قد فاقوا به أهل الأرض ﴿أنها﴾ لشدة اضطربها ﴿تسعى﴾ سعياً، وإذا كان هذا حاله مع أنه أثبت الناس بصراً وأنفذهم بصيرة فما ظنك بغيرة! ﴿فأوجس﴾ أي أضمر بسبب ذلك، وحقيقته : أوقع واجساً أي خاطراً وضميراً.
ولما كان المقام لإظهار الخوارق على يديه، فكان ربما فهم أنه أوقعه في نفس أحد غيره، كان المقام للاهتمام بتقديم المتعلق، فقال لذلك لا لمراعاة الفواصل :﴿في نفسه﴾ أي خاصة، وقدم ما المقام له والاهتمام به فقال :﴿خيفة موسى﴾ مثل ما خاف من عصاه أول ما رآها كذلك على ما هو طبع البشر، وللنظر إلى الطبع عبر بالنفس لا القلب مثلاً.