ولما كان ذلك، وكان المعلوم أن الله معه، وأنه جدير بإبطال سحرهم، استأنف الخبر عنه بقوله :﴿قلنا﴾ بما لنا من العظمة :﴿لا تخف﴾ من شيء من أمرهم ولا غيره، ثم علل ذلك بقوله، وأكده أنواعاً من التأكيد لاقتضاء الحال إنكار أن يغلب أحد ما أظهروا من سحرهم لعظمه :﴿إنك أنت﴾ أي خاصة ﴿الأعلى﴾ أي الغالب غلبة ظاهرة لا شبهة فيها ﴿وألق﴾ وأشار إلى يمن العصا وبركتها بقوله :﴿ما في يمينك﴾ أي من هذه العصا التي قلنا لك أول ما شرفناك بالمناجاة ﴿وما تلك بيمينك يا موسى﴾ ثم أريناك منها ما أريناك ﴿تلقف﴾ بقوة واجتهاد مع سرعة لا تكاد تدرك - بما أشار إليه حذف التاء ﴿ما صنعوا﴾ أي فعلوه بعد تدرب كبير عليه وممارسة طويلة ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿إنما﴾ أي أن الذي ﴿صنعوا﴾ أي أن صنعهم مما رأيته وهالنا أمُره.
ولما كان المقصود تحقير هذا الجيش أفرد ونكر لتنكير المضاف وتحقيره فقال :﴿كيد ساحر﴾ أي كيد سحري لا حقيقة له ولا ثبات، سواء كان واحداً أو جمعاً، ولو جمع لخيل أن المقصود العدد، ولما كان التقدير : فهم لا يفلحون، عطف عليه قوله :﴿ولا يفلح الساحر﴾ أي هذا الجنس ﴿حيث أتى﴾ أي كيف ما سار وأيّه ﴿سلك﴾ فإنه إنما يفعل ما لا حقيقة له، فامتثل ما أمره به ربه من إلقاء عصاه، فكان ما وعده به سبحانه من تلقفها لما صنعوا من غير أن يظهر عليها زيادة في ثخن ولا غيره مع أن حبالهم وعصيهم كانت شيئاً كثيراً. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ٢٨ ـ ٢٩﴾