قوله تعالى ﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر الكتاب أنه رهبهم من مخالفته ورغبهم في مؤالفته، وكان عذاب الآخرة مستقبلاً وغائباً، وكان ما هذا شأنه يؤثر في الجامدين، أمره أن يذكرهم بترهيب دنيوي مضى إيقاعه بهم، ليأخذوا مواثيق الكتاب لغاية الجد مع أنه لا يعلمه إلا علماؤهم، فيكون علم الأمي له من أعلام نبوته الظاهرة فقال :﴿وإذ﴾ أي اذكر لهم هذا، فإن لمن يتعظوا اذكر لهم إذ ﴿نتقنا﴾ أي قلعنا ورفعنا، وأتى بنون العظمة لزيادة الترهيب ﴿الجبل﴾ عرفه لمعرفتهم به، وعبر لدلالة لفظه على الصعوبة والشدة دون الطور - كما في البقرة - لأن السياق لبيان نكدهم بإسراعهم في المعاصي الدالة على غلظ القلب.
ولما كان مستغرقاً لجميع الجهة الموازية لعساكرهم، حذف الجار فقال :﴿فوقهم﴾ ثم بين أنه كان أكبر منهم بقوله :﴿كأنه ظلة﴾ أي سقف، وحقق أنه صار عليهم موازياً لهم من جهة الفوق كالسقف بقوله :﴿وظنوا﴾ هو على حقيقته ﴿أنه واقع﴾ ولما كان ما تقدم قد حقق العلو، لم يحتج إلى حرف الاستعلاء، فقال مشيراً إلى السرعة واللصوق :﴿بهم﴾ أي إن لم يأخذوا عهود التوارة، قالوا : ولما رأوا ذلك خر كل منهم ساجداً على حاجبه الأيسر، وصار ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل فزعاً من سقوطه، وهي سنة لهم في سجودهم إلى الآن، يقولون : هذه السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة.


الصفحة التالية
Icon