قوله تعالى ﴿ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان ربما أوهم تنكيرُه نقصاً فيه، قال مستأنفاً بياناً لكماله وتعظيماً لفضله وإفضاله :﴿ذلك﴾ أي الهدى العظيم الرتبة ﴿هدى الله﴾ أي المستجمع لصفات الكمال ﴿يهدي﴾ أي يخلق الهداية ﴿به﴾ أي بواسطة الإقامة عليه ﴿من يشاء من عباده﴾ أي سواء كان له أب يعمله أو كان له من يحمله على الضلال أولا ؛ ولما بين فضل الهدى ونص على رؤوس أهله، تهدد من تركه كائناً من كان، فقال مظهراً لعز الإلهية بالغنى المطلق منزهاً نفسه عما لوحظ فيه غيره ولو بأدنى لحظ :﴿ولو أشركوا﴾ أي هؤلاء الذين ذكرنا من مدحهم ما سمعتَ وبينّا من اختصاصنا لهم ما علمت - شيئاً من شرك وقد أعاذهم الله من ذلك، وأقام بهم معوج المسالك، وأنار بهم ظلام الأرض بطولها والعرض ﴿لحبط عنهم﴾ أي فسد وسقط ﴿ما كانوا يعملون﴾ أي وإن كان في غاية الإتقان بقوانين العلم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٧٠﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه يجب أن يكون المراد من هذا الهدى هو معرفة التوحيد وتنزيه الله تعالى عن الشرك، لأنه قال بعده :﴿وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [ الأنعام : ٨٨ ] وذلك يدل على أن المراد من ذلك الهدي ما يكون جارياً مجرى الأمر المضاد للشرك.
وإذا ثبت أن المراد بهذا الهدى معرفة الله بوحدانيته.
ثم إنه تعالى صرح بأن ذلك الهدى من الله تعالى، ثبت أن الإيمان لا يحصل إلا بخلق الله تعالى، ثم إنه تعالى ختم هذه الآية بنفي الشرك فقال :﴿وَلَوْ أَشْرَكُواْ﴾ والمعنى أن هؤلاء الأنبياء لو أشركوا لحبط عنهم طاعاتهم وعباداتهم.
والمقصود منه تقرير التوحيد وإبطال طريقة الشرك.
وأما الكلام في حقيقة الإحباط فقد ذكرناه على سبيل الاستقصاء في سورة البقرة فلا حاجة إلى الإعادة. والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ٥٥﴾


الصفحة التالية
Icon