قوله تعالى ﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (١١١) وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا (١١٣) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (١١٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما ذكر خشوع الأصوات، أتبعه خضوع دونها فقال :﴿وعنت الوجوه﴾ أي ذلت وخضعت واستسلمت وجوه الخلائق كلهم، وخصها لشرفها ولأنها أول ما يظهر فيه الذل ﴿للحي﴾ الذي هو مطلع على الدقائق والجلائل، وكل ما سواه جماد حيث ما نسبت حياته إلى حياته ﴿القيوم﴾ الذي لا يغفل عن التدبير ومجازاة كل نفس بما كسبت ﴿وقد خاب﴾ أي خسر خسارة ظاهرة ﴿من حمل﴾ منهم أو من غيرهم ﴿ظلماً ﴾.
ولما ذكر الظالم، أتبعه الحكيم فقال :﴿ومن يعمل﴾ ولما كان الإنسان محل العجز وإن اجتهد، قال ﴿من الصالحات﴾ أي التي أمره الله بها بحسب استطاعته، لأنه " لن يقدر الله أحد حق قدره " " ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " ﴿وهو مؤمن﴾ ليكون بناؤها على الأساس، وعبر بالفاء إشارة إلى قبول الأعمال وجعلها سبباً لذلك الحال فقال :﴿فلا يخاف ظلماً﴾ بأن ينسب إليه سوء لم يقترفه لأن الجزاء من جنس العمل، وقراءة ابن كثير بلفظ النهي محققة للمبالغة في النفي ﴿ولا هضماً﴾ أي نقصاً من جزائه وإن كان هو لم يوف المقام حقه لأنه لا يستطيع ذلك، وأصل الهضم الكسر، وأما غير المؤمن فلو عمل أمثال الجبال من الأعمال لم يكن لها وزر.