ولما اشتملت هذه الآية على الذروة من حسن المعاني، فبشرت ويسرت، وأنذرت وحذرت، وبينت الخفايا، وأظهرت الخبايا، مع ما لها من جلالة السبك وبراعة النظم، كان كأنه قيل تنبيهاً على جلالتها : أنزلناها على هذا المنوال العزيز المثال ﴿وكذلك﴾ أي ومثل هذا الإنزال ﴿أنزلناه﴾ أي هذا الذكر كله بعظمتنا ﴿قرآناً﴾ جامعاً لجميع المعاني المقصودة ﴿عربياً﴾ مبيناً لما أودع فيه لكل من له ذوق في أساليب العرب.
ولما كان أكثر هذه الآيات محذراً، قال :﴿وصرفنا﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿فيه من الوعيد﴾ أي ذكرناه مكررين له محولاً في أساليب مختلفة، وأفانين متنوعة مؤتلفة.
ولما ذكر الوعيد، أتبعه ثمرته فقال :﴿لعلهم يتقون﴾ أي ليكون الناظر لهم بعد ذلك على رجاء من أن يتقوا ويكونوا به في عداد من يجدد التقوى كل حين، بأن تكون له وصفاً مستمراً، وهي الحذر الحامل على اتخاذ الوقاية مما يحذر ﴿أو﴾ في عداد من ﴿يحدث﴾ أي يجدد هذا التصريف ﴿لهم ذكراً﴾ أي ما يستحق أن يذكر من طرق الخير، فيكون سبباً للخوف الحامل على التقوى، فيردهم عن بعض ما تدعو إليه النفوس من النقائض والبؤس.
ولما بلغت هذه الجمل نهاية الإعجاز، فاشتملت على غاية الحكمة، دالة على أن لقائلها تمام العلم والقدرة والعدل في أحوال الدراين، تسبب عن سوقها كذلك أن بان له من العظمة ما أفهمه قوله، معظماً لنفسه الأقدس بما هو له أهل بعد تعظيم كتابه تعليماً لعباده ما يجب له من الحق دالاً بصيغة التفاعل على مزيد العلو :﴿فتعالى الله﴾ أي بلغ الذي لا يبلغ الواصفون وصفه حق وصفه من العلو أمراً لاتحتمله العقول، فلا يلحقه شيء من إلحاد الملحدين ووصف المشركين ﴿الملك﴾ الذي لا يعجزه شيء، فلا ملك في الحقيقة غيره ﴿الحق﴾ أي الثابت الملك، فلا زوال لكونه ملكاً في زمن ما ؛ ولعظمة ملكه وحقية ذاته وصفاته صرف خلقه على ما هم عليه من الأمور المتباينة.